مُقدِّمة
بسم اللّه والحمد للّه والصلاة والسلام على رسول اللّه محمَّد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أما بعد :
فإنه لم يلقَ كتاب في تاريخ الانسانية ما لقيه القرآن الكريم من عناية واهتمام ، كيف لا وقد تعهد اللّه بحفظه فقال ( إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) [ سورة الحِجر : 9 ] ، فجنَّد له كل الأسباب وحماه من التحريف والضياع ، فهو كتاب رب العالمين ، الخالد الى يوم الدين ، أنزله على رسوله الأمين للنَّاس أجمعين . إنه كتاب البشرية جمعاء على مر العصور والدهور ، واختلاف الأماكن والبقاع .
وكان للمسلمين شرف الإهتمام بهذا الكتاب والعناية به ، تلاوة وحفظاً ، وشرحاً وتفسيراُ ، وتعلُّماً وتعليماً . وكان الاهتمام بالقراءات القرآنية جانباً من الجوانب التي شدَّت انتباه العلماء ، ودفعت بعضهم للانقطاع وتلقي تلك القراءات وجمعها وتعليمها وتدوينها ، حتى نشأ ما أُطلق عليه ( علم القراءات ) .
فعلوم القرآن هي أشرف العلوم لتعلقها بأشرف الكلامِ كلامُ اللّه سبحانه وتعالى ، وعلم القراءات باب عظيم من أبواب خدمة كتاب اللّه وحفظه ، ودراسته ممَّا تُفنى فيه الأعمار ، وهو من عجائب القرآن التي لا تنقضي .
[ عرض مختصر لمراحل نشأة علم القراءات القرآنية ] (*)
_ إنه من الأكيد أن القراءات القرآنية قد مرت بمراحل في تاريخها يتبع بعضها بعضاً حتى وصلت إلينا متواترة عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ .
القراءة المتواترة : (التواتر لغةً : التتابع ) ، اصطلاحاً : هي القراءة التي رواها جمع عن جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب ، موصولة الى النبي _صلى الله عليه وسلم_ .
ولعلنا نعرض هنا إلى أهم تلك المراحل :
1_ النزول .. 2_ التعليم والانتشار .. 3_ العرضة الأخيرة .. 4_ جمع أبي بكر للقرآن .. 5_ جمع عثمان .. 6_ الاختيار .. 7_ تسبيع السبعة .. 8_ مرحلة الاستقرار .
المرحلة الأولى : مرحلة النزول
وهي المرحلة التي نزلت فيها الخلافات ( الأوجه المختلفة ) في الكلمات القرآنية على النبي _صلى الله عليه وسلم_ حسب ما تفيده الأحاديث في نزول القرآن على سبعة أحرف ومنها : اخرج مسلم في صحيحه عن أُبَيّ بن كعب _رضي اللّه عنه_ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ ( كان عند أضاة بني غفار فأتاه جبريل _عليه السلام_ فقال : إنَّ اللّه يأمرك أن تُقرِئَ أمَّتك القرآن على حرف فقال : ‘‘ أسأل اللّه معافاته ومغفرته وإن امَّتي لا تُطيق ذلك ’’ ثم أتاه الثانية فقال : إنَّ اللّه يأمرك أن تُقرِئَ أمَّتك القرآن على حرفين ، فقال : ‘‘ أسأل اللّه معافاته ومغفرته وإن امَّتي لا تُطيق ذلك ’’ ثم جاءه الثالثة فقال : إنَّ اللّه يأمرك أن تُقرِئَ أمَّتك القرآن على ثلاثة أحرف ، فقال : ‘‘ أسأل اللّه معافاته ومغفرته وإن امَّتي لا تُطيق ذلك ’’ ثم جاءه الرابعة فقال : إنَّ اللّه يأمرك أن تُقرِئَ أمَّتك القرآن على سبعة أحرف ، فأيَّما حرف قرأوا عليه فقد اصابوا ).
الأضاة _ بفتح الهمزة_ : مستنقع الماء .
والجدير بالذكر أن هذه المرحلة واكبت نزول القرآن التي لم تكن القراءات فيها محددة كاليوم ، بل كان يجوز لأي احد أن يقرأ بأي وجه من الوجوه السبعة التي أقرأ النبي _صلى الله عليه وسلم_ بها أمته ، ولهذا كان بعض أبناء القبيلة الواحدة يختلفون كما جاء في حديث هشام بن حكيم وعمر _رضي الله عنهما_ ... إذ أقرَّالنبي كل منهما على قراءته فقال _صلى الله عليه وسلم_ لكل منهما :‘‘ كذلك أُنْزِلَت ’’ ثم قال _صلى الله عليه وسلم_ :‘‘ إنَّ هذا القُرآن أُنْزِلَ على سَبْعَةِ أحْرُف ، فَاقرأوا ما تَيَسَّرَ منه ’’ البخاري ( 4992) ، ومسلم (818) .
المرحلة الثانية : مرحلة التعليم والانتشار
_ في هذه المرحلة أصبحت :
1_ الخلافات (الأوجه) القرآنية واضحة معلومة بين الصحابة .
2_ كان الصحابة يعلِّم بعضهم بعضاً بما سمعوا عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ .
3_ لم تتوقف هذه المرحلة كالمرحلة الأولى التي انتهت بانتهاء نزول القرآن ، بل كانت فترة زمنية ممتدة من تعليم النبي _صلى الله عليه وسلم_ للصحابة وحتى مرحلة تسبيع السبعة _أي تحديد عدد القراءات بسبعة قراءات _ .
_ وكان الذين يعلمون القرآن للمسلمين هم ذوو شأنٍ بينهم ، فالقراء قد انتشروا في البلدان يُعلمون ويُقرِئون .
المرحلة الثالثة : العرضة الأخيرة
_ وهي المرحلة التي نُسِخت فيها بعض القراءات تبعاً لنسخ بعض الآيات ، أو كلمات من بعض الآيات ، فقد كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ يعرض القرآن على جبريل كل عام مرة ، وفي السنة التي توفي فيها عرضه مرتين ، وكانت هذه العرضة فاصلاً عند الصحابة بين ما يُقرأ وما لا يُقرأ من القرآن .
المرحلة الرابعة : جمع أبي بكر _رضي الله عنه_ للقرآن
نظراً للأحداث الجِسام التي وقعت بعد وفاة الرسول _صلى الله عليه وسلم_ بسبب حروب الرِدّة وأستشهاد الكثير من حفظة القرآن فقد أمر الخليفة أبو بكر الصديق _رضي الله عنه_ بجمع القرآن خوفاً عليه من الضياع .
المرحلة الخامسة : جمع عثمان _رضي الله عنه_ للقرآن
وهذه المرحلة كانت إحدى نتائج المرحلة الثانية ، فلما انتشرت الخلافات في الكلمات القرآنية بين الناس وأصبح كلٌّ يقرأ بما سمع أو تعلَّم ، حتى إذا التقوا في مكان واحد كالمساجد والغزوات استغرب بعضهم من قراءة بعض حتى كادوا يقتتلوا ويُكَفِّر بعضهم بعضاً .
_وكما أسلفنا لم تكن القراءات في تلك الفترة كما هي اليوم من تحديدٍ لعددها ، بل كانت كثيرة يجوز للكل أن يقرأ بما شاء ما دام أنه قد أُنْزِلَ وهذا هو الأصل في التيسير_ .
فجاء حذيفة إلى عثمان _رضي الله عنهما_ حاملاً معه تلك المشكلة العميقة بسبب الأختلافات التي لا يمكن حدها والتي كلها صحيحة ولكن ينتج عنها .
1_ الخلاف بين الناس .
2_ وقوع الشك في قلوبهم .
3_ تضييع القرآن بعد أن يكثر الخلاف فيه .
فأمر عثمان _رضي الله عنه_ بجمع القرآن مرة أخرى بعد جمع أبي بكر _رضي الله عنه_ .
الفرق بين جمع عثمان وجمع ابي بكر _رضي الله عنهما_ للمصحف :
* في عهد أبي بكر _رضي الله عنه_ كان جمع القرآن احترازياً بحيث يُرجَع إليه عند الحاجة _ وذلك بسبب الأحداث الشِّداد ، منها موقعة اليمامة سنة 12 هـ التي أدت إلى استشهاد سبعين من قراء الصحابة وحَفظَتِهم _ .
* في عهد عثمان _رضي الله عنه_ كان جمع القرآن اضطراريا لعدة اسباب منها :
1_ لحسم مادة الخلاف والنزاع في أمر قراءة القرآن .
2_ حملاً للناس على القراءة بما يوافق المرسوم .
3_ حتى لا تكثر اختلافات الامة .
من هنا يتبين أن الهدف من جمع القرآن في عهد ابي بكر الصدِّيق _رضي الله عنه_ كان حفظ القرآن من الضياع ، أما الهدف من جمع القرآن في عهد عثمان _رضي الله عنه_ هو حفظ القرآن من الاختلاف .
ولقد كان لجمع عثمان _رضي الله عنه_ أثر كبير في القراءات :
1_ حيث أنه أثبت به جميع الأحرف السبعة الثابتة في العرضة الأخيرة .
2_ كانت هذه القراءات مفرقة في عدة مصاحف .
وهذا يفسر لنا قراءة بعض الصحابة قبل جمع عثمان _رضي الله عنه_ ببعض ما نُسخ من الأحرف السبعة وهو عندنا شاذ ، إلَّا أنه لم يكن شاذا عندهم ، إلى أن جمع عثمان _رضي الله عنه_ القرآن وأرسل المصاحف المستنسخة إلى الأمصار واستقرار الامة على ذلك .
ومن أهم نتائج جمع عثمان _رضي الله عنه_ للمصحف :
1_ اعتبار موافقة رسم المصحف العثماني شرطاً لصحة القراءة .
2_ الاهتمام بالرواية ، فمع كل مصحف أرسل عثمان _رضي الله عنه_ مُقرِئاً حتى يجتمع الناس على قراءته ويأخذون منه .
3_ تضييق باب التيسير الذي من أجله أُنزلت القراءات .
وإن كان لأحد أن يسأل ، هل يجوز هذا ؟
فالجواب : نعم لأن التيسير كان مُعَلَّلاً بعلة وهي أن الأمة فيهم من لم يقرأ وفيهم العجوز ، فلما أخذت العلل تضيق ضاق معها باب التيسير مع عدم إغلاقه ولكن ضبطه بما يناسب حال الأمة وواقعها الجديد .
المرحلة السادسة : مرحلة الاختيار
هذه المرحلة وإن كانت إحدى ثمار مرحلة الانتشار إلا أنها كانت ذات تأثير عميق في نشأة وتاريخ القراءات ، حيث كانت بداية تحديد معالم واضحة لكل قراءة يختارها القارئ ولا يتجاوزها ويشتهر بها بين الناس .
ففي هذه المرحلة ظهر أئمة القراءة ومنهم :
( نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ) ولمعرفة زمن هذه المرحلة ، فقد كانت في نهاية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني ، وغيرهم كثير من القراء المشهورين الذين علَّموا الناس ، وذاع صيتهم في بلدانهم ، واقتصر الناس على طريقتهم في أخذ ما أقرَأوا به.
معنى الأختيار :
أن يعمد قارئ فيشق له طريقاً في القراءة حسب قواعد معلومة لديه .
أبرز مميزات هذه المرحلة :
1_ تحديد القراءات .
فبعد أن كان لأي أحد أن يقرأ بأي وجه من وجوه الاختلاف ، أصبح الناس يقلدون هؤلاء الأئمة فيما اختاروه وذلك :
(أ)_ لاشتهار ثقتهم في ضبطهم وإقراءهم .
(ب)_ تصَدُّرَهُم للإمامة في بلدانهم .
2_ تضييق باب التيسير بتحديد طرق معلومة له ، وظهرت هنا مسألة عدم جواز تركيب القراءات وهي مسألة حادثة فإن الناس بعد أن تلقوا اختيارات هؤلاء الأئمة بالقبول أصبحوا لا يستجيزون التركيب بها ، وهذا من حفظ اللّه للقرآن ، وسهولة تشكيله وضبطه على قراءة كل إمام على حدة .
تركيب القراءات : هو التنقل أو الخلط بين القراءات أثناء التلاوة .
المرحلة السابعة : مرحلة تسبيع السبعة
وهذه المرحلة التي قام بها الإمام العلامة أبو بكر بن مجاهد البغدادي باختيار أشهر أئمة القراءات في الأمصار الإسلامية العظمى في ذلك الوقت ليوضح قراءتهم ، في كتاب ألَّفه أسماه ( السبعة ) .
(أ)_ وكان كل واحد من هؤلاء الائمة السبعة قد اشتهر بقراءة معينة التزم بقراءتها حتى نُسبت إليه .
(ب)_ وقد راعى ابن مجاهد البغدادي ( 245هـ - 324هـ ) في اختياره أن يكون هؤلاء الأئمة ممن اشتهر واتُّفِقَ على ضبطهم وعدالتهم .
(ت)_ وقد اكتفى بهم في كتابه ، ولقد كانت هذه المرحلة انعطافة بارزة في علم القراءات .
من أبرز آثار هذه المرحلة على القراءات :
1_ خلط العامة بين القراءات السبعة التي اختار القراء كما أسلفنا وبين الأحرف السبعة التي هي وجوه الأختلاف التي نزل بها القرآن .
2_ شذود كثير من القراءات بعد كتاب السبعة وانصراف اهتمام الناس للسبعة الذين ذكرهم ابن مجاهد ، وتتبع تلامذتهم والقراءة عليها وترك اختيارات بعض الأئمة ممن كانوا مبرَّزين لكنه لم يذكرهم .
3_ قيام التدوين في القراءات والتوجيه على كتاب السبعة لثقة الناس باختيار مؤلِّفه .
ومن أهم هذه المصنَّفات :
1_ كتاب التيسير في القراءات السبع للإمام أبي عمرو الداني .
2_ ثم أتى بعده الإمام الشاطبي فألف منظومة الشاطبية من كتاب التيسير للداني . ووُضع لهذه القصيدة القبول بين اهل القراءات وانتشرت بينهم وأصبح كل من يريد ضبط القراءات عليه أولاً حفظ منظومة الشاطبية .
3_ السبعة لأبي علي الفارسي .
4_ الكشف لمكي بن أبي طالب .
المرحلة الثامنة : مرحلة الاستقرار والثلاثة المتممة للعشرة
وهذه المرحلة تولى فيها الإمام ابن الجَزَرِيّ إبراز القراءات الثلاث المتممة للعشرة ، وهي قراءة :
1_ الإمام أبو جعفر .. 2_ الإمام يعقوب الحضرمي .. 3_ الإمام خلف العاشر .
ألَّف ابن الجَزَرِيّ منظومة الدرَّة المُضِيَّة في القراءات الثلاث المتممة للعشرة ، وحاول فيها محاكاة منظومة الشاطبية .
كما ضمَّن القراءات العشر جميعها في كتابه النشر في القراءات العشر حيث ذكر فيه القراءات العشر المتواترة .
(*) [ موقع جامعة ام القرى / مراحل نشأة علم القراءات / الأستاذة خلود بنت صلاح مشعبي ] ( بتصرف )
[ عرض مفصَّل لمراحل نشأة علم القراءات القرآنية ]
نزول القرآن الكريم
أنزل اللّه تعالى القرآن على رسوله _صلى الله عليه وسلم_ ليبلغه للناس كافة ، وألسنة الناس ولهجاتهم مختلفة ، وخصوصاً الأمة العربية التي شُوفِهَت بالقرآن ، فإنها كانت قبائل كثيرة ، وكان بينها اختلاف في اللهجات ، ونبرات الصوت ، وطريقة الأداء ، فكان فيهم من يُفخِّم بعض الحروف ومن يُرقق ، ومن يمُد ومن يُقصِر ، ومن يهمز ومن يخفف أو يُبدِل الهمز ، فمنهم من يقرأ ( المُؤمِن) بهمز الواو ، ومنهم من يقرؤها ( المُومِن ) بالواو بدل الهمز ، ومنهم الذي يدغم حروفا مع غيرها ومنهم من يُظهرُها ، ومنهم من يُميل االألف نحو الياء ، أو يبدل حرفاَ مكان حرف فمنهم من يقرأ (الصراط ) ومنهم من يقرأ ( السِّراط ) بالسين بدل الصاد ، وغيرها كثير .. وقد يعسُر على الواحد منهم الانتقال من لهجته التي ألِفَها الى غيرها ، ولو كُلِّفوا ذلك لكان من التكليف بما لا يُستطاع ، خاصة وأنَّهم أمَّةٌ أُمِّيَّة لا يعرف القراءة والكتابة منهم إلا القليل ، لذلك اقتضت حكمة اللّه تعالى التخفيف والتيسير والتوسعة على الأمَّة بأن أنزل القرآن على حروف كثيرة ، وقراءات متعددة ، حتى يسهل على كل واحد منهم تلاوة القرآن بالقراءة التي تناسب نشأته اللغوية ، قال تعالى ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) سورة القمر17.
فعن أُبَيّ بن كعبرضي اللّه عنه قال : لقي رسول اللّه _صلى الله عليه وسلم_ جبريل فقال ‘‘ يا جبريل إني بُعِثتُ إلى أمَّةِ أمِّيين فيهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتاباً قط ’’ قال يا محمد إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف ’’ [رواه الترمذي وقال : حسن صحيح ] .. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يُقرِئ الصحابة _رضي الله عنهم_ بالأحرف كلها .
ثم أن الصحابة _رضي الله عنهم_ قد اختلف أخذهم عن رسول اللّه _صلى الله عليه وسلم_ فمنهم من اخذ القرآن عنه بحرف واحد ، ومنهم من أخذ عنه بحرفين ، ومنهم من زاد ، ثم تفرقوا في البلاد وهم على هذه الحال ، فاختلف بسبب ذلك أخذ التابعين منهم ، وأخذ تابع التابعين عن التابعين وهلم جرا ، حتى وصل الامر على هذا النحو الى الأئمة القراء المشهورين الذين تخصصوا وانقطعوا للقراءات يضبطونها ويعنون بها وينشرونها .
الأحرف السبعة
يطلق لفظ الحرف في اللغة على عدة معانٍ منها : ذروة الشيء وأعلاه ، ومنه حرف الجبل أي قمته ، ويُطلق أيضاً على حرف التهجي ، وعلى طرف الشيئ ، وعلى الوجه _ وهذا هو المناسب لموضوعنا _ .
نزل القرآن في بادئ الأمر على حرف واحد ( أي وجه واحد ) ، فلم يزل رسول اللّه _صلى الله عليه وسلم_ يستزيد جبريل حتى أقرأه على سبعة أحرف توسيعا وتخفيفاً على العباد .
فقد ثبت عن ابن عباس _رضي اللّه عنه_ أن رسول اللّه _صلى الله عليه وسلم_ قال : ‘‘ أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى على سبعة أحرف ’’ [ رواه البخاري ، ومسلم ]
واخرج مسلم في صحيحه عن أُبَيّ بن كعب _رضي اللّه عنه_ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ ( كان عند أضاة بني غفار فأتاه جبريل _عليه السلام_ فقال : إنَّ اللّه يأمرك أن تُقرِئَ أمَّتك القرآن على حرف فقال : ‘‘ أسأل اللّه معافاته ومغفرته وإن امَّتي لا تُطيق ذلك ’’ ثم أتاه الثانية فقال : إنَّ اللّه يأمرك أن تُقرِئَ أمَّتك القرآن على حرفين ، فقال : ‘‘ أسأل اللّه معافاته ومغفرته وإن امَّتي لا تُطيق ذلك ’’ ثم جاءه الثالثة فقال : إنَّ اللّه يأمرك أن تُقرِئَ أمَّتك القرآن على ثلاثة أحرف ، فقال : ‘‘ أسأل اللّه معافاته ومغفرته وإن امَّتي لا تُطيق ذلك ’’ ثم جاءه الرابعة فقال : إنَّ اللّه يأمرك أن تُقرِئَ أمَّتك القرآن على سبعة أحرف ، فأيَّما حرف قرأوا عليه فقد اصابوا ).
الأضاة _ بفتح الهمزة_ : مستنقع الماء وكان بموضع من المدينة ويُنسَب الى بني غفار .
في معنى قول رسول اللّه _صلى اللّه عليه وسلم_ ( أُنزل القرآن على سبعة أحرف ) (*)
ذهب العلماء في تفسير ذلك مذاهب شتى .فأكثر العلماء على أنها لغات ( لهجات) ، ثم اختلفوا في تعيينها .
فقال أبو عبيد : هي لغة قريش ، وهذيل ، وثقيف ، وهوازن ، وكنانة ، وتميم ، واليمن .
وقال بعضهم : المراد بها معاني الاحكام : كالحلال ، والحرام ، والمحكم ، والمتشابه ، والأمثال ، والإنشاء ، والإخبار .
وقيل المراد بها : الأمر ، والنهي ، والطلب ، والدعاء ، والخبر ، والاستخبار ، والزجر .
وقيل : الوعد ، والوعيد ، والمطلق ، والمقيد ، والتفسير ، والإعراب ، والتأويل .
غير أن الإمام ابن الجَزَرِي لم يقتنع بهذه الأقوال ، وذلك لأن الصحابة الذين اختلفوا وترافعوا إلى النبي _صلى اللّه عليه وسلم_ _ كما في حديث عمر بن الخطاب مع هشام بن حكيم بن حزام _ لم يختلفوا في تفسيره ولا في أحكامه ، وإنما اختلفوا في قراءة حروفه .
قال ابن الجزري : ولا زلت أستشكل هذا الحديث ، وأفكر فيه ، وأمعن النظر من نيف وثلاثين سنة حتى فتح اللّه عليَّ بما يمكن أن يكون صواباً _إن شاء اللّه تعالى_ ، وذلك أني تتبعت القراءات كلها صحيحها ، وشاذها ، وضعيفها ، ومنكرها ، فإذا اختلافها يرجع إلى سبعة اوجه لا يخرج عنها وهذه الأوجه السبعة هي :
الأول :
أن يكون الاختلاف في الحركات بلا تغير في المعنى والصورة نحو : ( يَحْسبُ ) بفتح السين (يحسَب) وكسرها (يحسِب) _ مما يطلق عليه لغات فقط_ .
الثاني :
أن يكون بتغير في المعنى فقط دون التغير في الصورة نحو : ( فَتَلَقَّى آدَم مِن رَبِّهِ كَلِمَات ) على ما فيها من قراءات _ فقد قُرأت بضم ميم ( آدمُ ) وكسر تاء ( كلماتٍ ) ، وقُرأت بفتح ميم ( آدمَ ) و ضم تاء ( كلماتٌ ) _ .
الثالث :
أن يكون في الحروف مع التغير في المعنى لا الصورة نحو : ( تبلوا ، تتلوا ) .
الرابع :
أن يكون في الحروف مع التغير في الصورة لا المعنى نحو : ( الصِّراط ، السِّراط ) .
الخامس :
أن يكون في الحروف والصورة نحو : ( يأتل ، يتألّ ) .
السادس :
أن يكون في التقديم والتأخير نحو : ( فيقتلون ويقتلون) على ما فيها من قراءات _ فقد قُرأت ( فيَقتُلون ويُقتَلون ) ، وقُرأت ( فيُقتَلون ويَقْتُلون ) _ .
السابع :
أن يكون في الزيادة والنقصان نحو : ( وأوصى ، ووصَّى ) .
_ واللّه أعلم _
(*) الإرشادات الجلية في القراءات السبع من طريق الشاطبية / الاستاذ الدكتور محمد محمد محمد سالم محيسن ، ص 23_24 .(بتصرف)
الحكمة من نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف
يمكن أن نلخص بعض النقاط في الحكمة من نزول القرآن على سبعة احرف :
1_ تيسير القراءة والحفظ على قوم أُمِّيين ، لكل قبيلة منهم لهجة ، ولا عهد لهم بحفظ الشرائع .
2_ بيان إعجاز القرآن للفطرة اللغوية عند العرب ، فعلى الرغم من نزول القرآن على لغات متعددة من لغات العرب غير أن ارباب تلك اللغات وفرسانها لم يستطيعوا مقارعة القرآن ومعارضته ، فدل ذلك على عجز الفطر اللغوية العربية بمجموعها على الإتيان ولو بآية من مثل آيات هذا القرآن .
3_ يحمل دلالة قاطعة على صدق الرسول محمد _صلى اللّه عليه وسلم_ ، وأن هذا القرآن ليس من قول البشر ، بل هو كلام رب العالمين ، فعلى الرغم من نزوله على سبعة أحرف ، إلا أن الأمر لم يُؤدِ الى تناقض أو تضاد في القرآن ، بل بقي القرآن الكريم يصدِّق بعضه بعضاً ويشهد بعضه لبعض ، فهو يسير على نسق واحد في علو الأسلوب والتعبير ، ويسعى لهدف واحد يتمثل في هداية الناس أجمعين .
4_ إثراء التفسير والأحكام الشرعية بتعدد الأحرف وبيان إعجار القرآن في معانية وأحكامه فإن تقلُّب الصور اللفظية في بعض الأحرف والكلمات يتهيَّأ معه تعدد استنباط الأحكام الشرعية مما يجعل القرآن ملائما لكل عصر .
تدوين القرآن في العهد النبوي الشريف
كان من مزيد عناية النبي _صلى اللّه عليه وسلم _ وأصحابه بالقرآن أن اعتنوا بكتابته وتدوينه ، كي يكون حصناً ثانياً لحمايته من الضياع والتغيير ، فبعد أن أمر رسول اللّه _صلى اللّه عليه وسلم _أصحابه بحفظ القرآن في صدورهم طلب منهم حفظه في السطور، ونهى في بداية الأمر عن كتابة شيء غير القرآن حتى لا يلتبس بغيره من الكلام ، ففي ‘‘صحيح مسلم’’ من حديث أبي سعيد الخُدْرِيّ _رضي اللّه عنه_ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : ( لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه ) ، قال النووي في توجيه ذلك : وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن ، فلما أمِنَ ذلك أذِنَ في الكتابة .
وكانت طريقة جمع القرآن في ذلك الوقت عبارة عن كتابة الآيات وترتيبها ووضعها في مكانها الخاص من سُوَرها ، فكانوا يكتبونها على العُسُب _جمع عَسيب_(جريد النخل ) واللِّخاف _جمع لَخْفَة_ (صفائح الحجارة الرقيقة ) ، والرقاع _جمع رقعة_( وقد تكون من جلد أو ورق ) ، وعظام الأكتاف وغيرها ، وذلك لأن صنع الورق لم يكن مشتهرا عند العرب في ذلك الوقت ، بل كان عند الفرس والروم ، ويصعب الحصول عليه في ذلك الحين .
حرص النبي _صلى اللّه عليه وسلم _ على عدم جمع القرآن مرتباً في مصحف واحد حتى وفاته ، ترقباً لنزول شيء جديد منه ، إذ لم يكن ترتيب الآيات والسُّور على ترتيب النزول ، فلو أنه رتَّبه أولاً بأول وجُمِعَ بين دفتي مصحف واحد ، لأدى هذا الى كثرة التغيير والتبديل كلما نزلت عليه آية أو نُسِخَت آية ، وفي هذا من المشقة ما فيه .
كَتَب القرآن لرسول اللّه _صلى اللّه عليه وسلم _ عدد من الكُتّاب وصل بهم بعض المؤرخين إلى ستة وعشرين كاتباً ، ووصل بهم آخرون إلى اثنين وأربعين كاتباً ، منهم : الخلفاء الراشدون الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وكذلك زيد بن ثابت وأبَيّ بن كعب ومعاذ بن جبل ومعاوية بن أبي سفيان وغيرهم من الصحابة الكرام _ رضي اللّه عنهم _ أجمعين .
العرضة الأخيرة
كان النبي _صلى اللّه عليه وسلم_ في رمضان من كل عام يعرض على جبريل _عليه السلام _ ما سبق وتم نزوله من سور وآيات القرآن الكريم ، حسب الترتيب الذي بيَّنه له ، حتى إذا كان رمضان الأخير في حياة النبي _صلى اللّه عليه وسلم_ في السنة العاشرة للهجرة ، عرض على جبريل القرآن مرتين ، سورة سورة ، وآية آية ، وهذا ما يُسمَّى بالعرضة الأخيرة ، وفي هذه المرحلة نُسِخت بعض من الأحرف السبعة ، وكانت هذه العرضة فاصلاً عند الصحابة بين ما ثَبُتَ فيُقرأ وما نُسِخ فلا يُقرأ .
[ وقال البغوي في شرح السنة : يقال أن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة التي بُيِّن فيها ما نسِخ وما بقي ، وكتبها لرسول اللّه _صلى اللّه عليه وسلم _ وقرأها عليه ، وكان يُقرِئ الناس بها حتى مات ، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه ، وولَّاه عثمان كتب المصاحف (*)].
(*) الإتقان في علوم القرآن / السيوطي ، ج1 /ص 184
جمع القرآن في عهد أبي بكر الصدِّيق _رضي اللّه عنه_
لما تولّى أبو بكر _رضي اللّه عنه_ الخلافة بعد وفاة النبي _صلى اللّه عليه وسلم_ وقعت أحداث شِداد ، منها موقعة اليمامة سنة 12 هـ التي أدت إلى استشهاد سبعين من قراء الصحابة وحَفظَتِهم وقد هال ذلك المسلمين ، فظهرت فكرة جمع القرآن ، وكان الغرض من هذا الجمع الاحتياط والمبالغة في حفظ هذا الكتاب خوفاً عليه أوعلى شيء منه من الضياع .
جَمْعُ القرآن في عهدِ أبي بكر الصدِّيق كان عبارة عن نقل القرآن جميعه من العُسُب واللِّخاف والرِّقاع والعظام وكتابته في مكان واحد ، وهي الصحف مرتبة الآيات في سُوَرها ، مقتصرة فيه على ما ثبت في العرضة الأخيرة للقرآن الكريم قبل وفاة الرسول _صلى اللّه عليه وسلم_ .
[عن زيد بن ثابت _رضي اللّه عنه_أنه قال : أرسل إليَّ أبو بكر _رضي اللّه عنه_ مقتل أهل اليمامة (أي عقب استشهاد كبار الحفاظ ) فإذا عمر جالس عنده ، فقال أبو بكر : إنَّ عمر جاءني فقال : ( إن القتل قد اسْتحَرَّ _ أي كثر واشتد _ يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يَسْتَحِرَّ القتل بالقرَّاء في كل المواطن فيذهب من القرآن كثير ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن ، فقلت : وكيف أفعل ما لم يفعله رسول اللّه _صلى اللّه عليه وسلم_ ، فقال عمر_رضي اللّه عنه_ :هو واللّه خير، فلم يزل يراجعني في ذلك حتى شرح اللّه صدري للذي شرح له صدر عمر ، ورأيت في ذلك الذي رأى .
قال زيد بن ثابت : فقال أبو بكر : إنك شاب عاقل لا نتهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول اللّه _صلى اللّه عليه وسلم_ فتتبَّع القرآن واجمعه . قال زيد : فواللّه لو كلَّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن . قلت : كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول اللّه _صلى اللّه عليه وسلم_ ، قال (أبو بكر) : هو واللّه خير ، فلم يزل أبو بكر يُراجعني حتى شرح اللّه صدري للذي شرح اللّه صدر أبي بكر وعمر . فتتبعت القرآن أجمعه من العسيب واللخاف وصدور الرجال ، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِن أنْفُسِكُمْ ... )] (*)
(*) [صحيح البخاري / كتاب فضائل القرآن / باب جمع القرآن / حديث رقم : 4701 ].
لقد انتدب أبو بكر_رضي اللّه عنه_ لجمع القرآن رجلاً من خيرة رجالات الصحابة وهو زيد بن ثابت _رضي اللّه عنه_ ، لأنه اجتمع فيه من المواهب ذات الأثر في جمع القرآن ما لم يجتمع في غيره من الرجال ، إذ كان من الشباب حفَّاظ القرآن ، ومن كتَّاب الوحي ، وشهد العرضة الأخيرة للقرآن الكريم في ختام حياة الرسول _صلى اللّه عليه وسلم_ وكان يتميز برجاحة العقل والورع والأمانة .
منهج أبي بكر _رضي اللّه عنه_ في جمع القرآن
انتهج زيد بن ثابت في جمع القرآن طريقة دقيقة مُحكَمة وضعها له أبو بكر الصدِّيق _رضي اللّه عنهما_ ، فيها ضمان لحياطة كتاب اللّه بما يليق به من تثبت بالغ وحذر دقيق ، وتحريات شاملة ، فلم يكتفِ زيد بما حفظ في قلبه ، أو كتب بيده ، أو سمع بأذنه ، بل جعل يتتبع ويستقصي ، فاعتمد في جمعه على مصدرين اثنين :
احدهما : ما كُتِبَ بين يدي رسول اللّه _صلى اللّه عليه وسلم_ .
الثاني : ما كان محفوظاً في صدور الرجال .
وبلغ من مبالغته في الحيطة والحذر أنه لم يقبل شيئا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان انه كُتِبَ بين يدي رسول اللّه _صلى اللّه عليه وسلم_ .
فكانت هذه هي الصحف الأولى للقرآن الكريم التي حَفِظها أبو بكر عنده حتى توفاه اللّه تعالى ، ثم عند عمر في حياته ، ثم عند أم المؤمنين حفصة بنت عمر _رضي اللّه عنهم _ .
قال السيوطي :‘‘ أول من جمع القرآن وسَمّاه مصحفاً أبو بكر الصدِّيق _رضي اللّه عنه_ ’’ .
وقد امتازت هذه الصحف التي تم الاتفاق على تسميتها بالمصحف في عهد أبي بكر بمزايا عدة منها :
1_ الاعتماد على أدق وجوه البحث والتحري ، وأسلم أصول التثبت العلمي .
2_ الإقتصار فيها على ما لم تُنسَخ تلاوته .
3_ أنها مُرتَّبة الآيات داخل سُوَرِها .
4_ شمولها لما ثبُت من الأحرف السبعة في العرضة الأخيرة قبل وفاة الرسول _صلى اللّه عليه وسلم_ .
جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان _رضي اللّه عنه_
اتسعت رقعة الأمصار الاسلامية في عهد الخليفة عثمان بن عفان _رضي اللّه عنه_ وتفرق الصحابة في الأمصار يُقرِئون الناس القرآن ، وأخذ كل بلد عن الصحابي الذي وفد إليهم قراءته ، وظهرت قراءات متعددة منشؤها اختلاف لهجات العرب . ولما اجتمع أهل العراق وأهل الشام لفتح ثغور أرمينية وأذربيجان ، ظهر الخلاف بينهم في قراءة القرآن ، وأنكر بعضهم على بعض ما يقرأون .
(عن انس بن مالك أن حذيفة بن اليمان : ‘‘ قَدِم على عثمان ، وكان يُغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق ، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة .
فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين ، أدرِك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى .
فأرسل عثمان إلى حفصة : ‘‘ أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ، ثم نردها إليك ’’ ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان ، فأمر زيد بن ثابت ، وعبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فنسخوها في المصاحف .
وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ، فإنما نزل بلسانهم ’’
ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ، ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة ، وأرسل إلى كل أفُقٍ بمصحف مما نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف ، أن يُحرق .’’(*)
(*) صحيح البخاري / كتاب فضائل القرآن / باب جمع القرآن/ حديث رقم (4987)
قال القاضي ابن الطيب : معنى قول عثمان فإنه نزل بلغة قريش يريد معظمه وأكثره ، لأن القرآن فيه عدة لغات سوى لغة قريش ، وإن كان معظمه وأكثره نزل بلغتهم .
منهج عثمان _رضي اللّه عنه_ في جمع القرآن
أما صفة جمع مصحف عثمان _رضي اللّه عنه_ فالظاهر من الأدلة الصحيحة وتنوُّع القراءات الثابتة انه اعتمد المنهجية التالية :
1_ عدم كتابة الا ما تم التحقق منه أنه قرآن ، وعلموا أنه قد استقر في العرضة الاخيرة ولم يُنسَخ ، وما أيقنوا صحته عن النبي _صلى اللّه عليه وسلم_ ، وترك ما سوى ذلك كالذي كان يكتبه بعض الصحابة في مصاحفهم الخاصة شرحا لمعنى ، أو بياناً لناسخ ومنسوخ .
2_ رسم كلمات القرآن على ما أمكن مما ثَبَتَ من الأحرف السبعة في العرضة الأخيرة _ وتجدُر الإشارة إلى أن الحروف في ذلك الزمان كانت خالية من النقط والتشكيل _ ، فمثال ذلك في [سورة الحُجُرات الاية 6] كلمة ( فـتبينوا ) في قراءة ثابتة اخرى ( فتثبتوا ) فرَسمُها من غير نقط يحتمل القراءتين ، والقراءتان صحيحتان .
3_ فإن لم يُمكن رسم الكلمة إلا برسم واحد ، اختار أحد الحروف المُنَزَّلة ، وإن كان أحدها بلغة قريش قدَّمه على غيره ، مثال ذلك كلمة ( التَّابُوت ) [سورة البقرة الاية 248] ، فإن لغة أهل المدينة ( التابوه ) بالهاء ، ولغة قريش ( التابوت ) بالتاء ، فقال عثمان : اكتبوه على لغة قريش : ( التابوت ) .
4_ اما الكلمات التي تُقرأ بأكثر من قراءة ولا يمكن جعلها في رسم واحد فيتم توزيع قراءتها على نسخ المصاحف ، كقراءة كلمة ( وَوَصَّى ) سورة البقرة آية 132 ، في قراءة ثابتة أخرى ( وأوصَى) ، وكذلك كلمة ( وَسَارِعُوا ) سورة آل عمران الاية 133 ، في قراءة ثابتة أخرى ( سَارِعُوا ) .
والذي دعا الصحابة _رضوان الله عليهم _ إلى انتهاج هذه الخطة في رسم المصاحف وكتابتها ، أنهم تلقوا القرآن الكريم عن رسول اللّه _صلى اللّه عليه وسلم_ بجميع وجوه قراءاته ، وبكافة حروفه التي نزل عليها ، فكانت هذه الطريقة أقرب إلى الإحاطة بوجوه قراءات القرآن الكريم كلها ، حتى لا يقال : أنهم أسقطوا شيئا منها ، أو منعوا أحداً من القراءة بأي حرف شاء .
بُدِئ في جمع ونسخ المصاحف في آخر سنة 24 هـ وأوائل سنة 25 هـ ، ثم بعث عثمان مع كل مصحف مُقرِئاً ليرشد الناس إلى قراءته بما يحتمله رسمُه من القراءات ممَّا صح وتواتر وذلك لأن التلقي من القارئ المُتقِن أساس في قراءة القرآن ، واختاره ممَّن توافق قراءته في أغلبه قراءة ذلك القطر ، فكان :
* زيد بن ثابت (توفي سنة 54 هـ ) مع المُصحف المدَني .
* المُغيرة بن أبي شهاب المخزومي ( توفي سنة نيِّف وسبعين هـ ) مع المصحف الشامي .
* أبو عبد الرحمن السُّلَمي ( توفي سنة 47 هـ ) مع المُصحف الكوفي .
* عامر بن قيس ( توفي سنة 55 هـ ) مع المُصحف البصري .
* عبد اللّه بن السائب المخزومي ( توفي في حدود سنة 70 هـ ) مع المُصحف المكي .
وكان لمصحف عثمان الفضل العظيم في تيسير حفظ القرآن الكريم وتلاوته ، ودرء الفتنة والخلاف الذي وقع بين القراء ، ووأد استشراء اللَّحْن (أي الخطأ والانحراف عن الصواب ) في قراءة القرآن الكريم ، كما حفظ مصحف عثمان للمسلمين ترتيب السُّور والآيات على ما هي عليه الآن ، بالإضافة لتوقيف القرآن على الرسم العثماني . والأمة الإسلامية ما زالت إلى اليوم تحافظ على هذا الرسم في كتابة المصحف ونشره ، لأن هذا الإلتزام سنة متبعة ، لا ينبغي تجاوزها لأسباب منها :
1_ الحفاظ على الرسم العثماني ضمان قوي لصيانة القرآن من التغيير والتبديل .
2_ إنه الرسم الذي اعتمده أصحاب محمد _صلى اللّه عليه وسلم_ وخير الخلق من بعده ، وأنعقد عليه إجماع الأمة في عهد الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم من الأئمة المجتهدين .
3_ إنه الرسم الذي يحمل جميع وجوه القراءات العشر الموجودة بين أيدينا اليوم .
تحديد القراءات القرآنية ، وبداية نشوء علم القراءات
اختيار القراءات السبع
أرسل أمير المؤمنين عثمان بن عفان _رضي اللّه عنه_ مصحفاً من المصاحف العثمانية إلى كل مصر من أمصار المُسلمين مع قارئ مُتقن يُقرِئ الناس بما يُوافق رسم المصحف المُرسَل إليهم ، واختاره ممَّن توافق قراءته في أغلبه قراءة ذلك القطر .
أقرأ القرَّاء الناس القرآن بما يوافق رسم المصحف المُرسل إليهم ، وأقرأ تلاميذهم غيرهم ، وانصرف قوم للإعتناء بالقرآن ، وقاموا بضبطه ، وانشغلوا بحفظه ، وتفرغوا لإقرائه وتعليمه حتى أصبحوا في ذلك أئمة يُقتدى بهم ، ويُرحل إليهم وَيُؤخذ عنهم .
بعد زمن كَثُرَ القرَّاء ، وتفاوتوا في الضبط والإتقان ، فكان منهم المُتقِن للتلاوة المشهور بالرواية والدراية ، ومنهم غير ذلك ، وكثر بينهم الخلاف وقلَّ الضبط .
يقول الدمياطي : ‘‘ لِيُعلَم أن السبب الداعي إلى أخذ القراءة عن القرَّاء المشهورين دون غيرهم أنه لَمَّا كثر الإختلاف فيما يحتمله رسم المصاحف العثمانية التي وجَّه بها عثمان_رضي اللّه عنه_ إلى الأمصار فصار أهل البِدَع والأهواء يقرؤون بما لا يحل تلاوته وفاقاً لبدعتهم ، أجمع رأي المسلمين أن يتفقوا على قراءات أئمة ثقات تجردوا للاعتناء بشأن القرآن العظيم فاختاروا من كل مصرٍ وجَّهَ إليها مصحف أئمة مشهورين بالثقة والامانة في النقل وحسن الدراية وكمال العلم ، أفنَوا أعمارهم في القراءة والإقراء ، واشتهر أمهرهم ، وأجمع أهل مِصرهم على عدالتهم ، ولم تخرج قراءتهم عن خط مصحفهم (*)’’ .
(*) إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر / البنا الدمياطي ، ص 7 ، 8 .
في هذا الإطار ألَّف شيخ القرَّاء في عصره الإمام أبو بكر أحمد بن موسى بن مجاهد ( 245 هـ _324 هـ) كتابه في القراءات (السَّبعة ) ، اختار فيه من القراءات ما وافق خط المصحف ، ومن القرَّاء إماماً من كل مصر مشهور بالثقة والأمانة في النقل وحسن الدين ، وكمال العلم ، قد طال عمره واشتهر أمره بالثقة ، وأجمع أهل مصره على عدالته فيما نقل ، وثقته فيما قرأ وروى ، وعلمه بما يقرأ ، فكان :
1_ الإمام ( نافع ) من أهل المدينة .
2_ الإمام ( ابن كثير ) من أهل مكة .
3_ الإمام ( أبو عمرو ) من أهل البصرة .
4_ الإمام ( أبن عامر ) من أهل الشام .
5_6_7_ الأئمة ( عاصم ، وحمزة ، والكسائي ) من أهل الكوفة .
وبهذا كان أبو بكر بن مجاهد اول من اقتصر القراء على هؤلاء السبعة وتلقَّت الأمة هذا الحصر بالقبول ، ولقد كانت هذه المرحلة انعطافة بارزة في علم القراءات ، أدت إلى قيام التدوين في القراءات والتوجيه على كتاب السبعة لثقة الناس باختيار مؤلفه ومن أهم هذه المصنفات :
1_ كتاب التيسير في القراءات السبع للإمام أبو عمرو الداني .
2_ ثم أتى بعده الإمام أبو محمد القاسم بن فيره الشاطبي فاختصر كتاب التيسير للداني بتأليف منظومة أسماها ( حِرْز الأماني ووجه التَّهاني ) اشتهرت بـ ( الشاطبية ) نسبة له .
3_ السبعة لأبي علي الفارسي .
4_ الكشف لمكي بن طالب .
اختيار القرَّاء الثلاثة المُكمِّلين للعشرة
عَلِقَ في أذهان كثير من الناس أن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن والتي ورد ذكرها في العديد من الاحاديث النبوية الشريفة ، هي القراءات السبعة التي اختارها ابن مجاهد ، وهذا الوهم دفع عدد من العلماء للتأليف في القراءات ومن بين هؤلاء شيخ المحققين والقراء الإمام محمد بن الجزري الي تتبع أسانيد القراءات حتى زمانه فوجد ثلاث قراءات تشارك السبع في الشهرة والثبوت وتحقق أركان القراءة الصحيحة فأضافها للقراءات السَّبع وهي :
1_ قراءة الإمام أبو جعفر المدني .
2_ قراءة الإمام يعقوب الحضرمي .
3_ قراءة الإمام خلف العاشر .
وتلقت الامة هذه الإضافة بالقبول ، ولقد نظم الإمام ابن الجَزَريّ هذه القراءات الثلاث في قصيدة سمَّاها ( الدُّرَّة المُضيَّة في القراءات الثلاثة المتممة للعشرة ) وأخبر بأنها متممة لمنظومة الإمام الشاطبي ( حِرز الأماني ووجه التهاني ) ، بحيث تُصبح الشاطبية مع الدُّرَّة جامعتين للقراءات العشر . كما جمع الإمام ابن الجَزَرِيّ القراءات العشر في كتاب أسماه ( النَّشر في القراءات العشر ) وفي منظومته ( طَيِّبَة النَّشر في القراءات العشر ) .
علم القراءات القرآنية
يُعَد علم القراءات القرآنية أحد العلوم الإسلامية وعلوم القرآن المهمة ، التي تهتم بدراسة قواعد تلاوة القرآن الكريم بالطريقة الصحيحة ، وتحديد الأحكام التجويدية والأساليب الصوتية واللغوية المطلوبة للتلاوة بطريقة صحيحة ومناسبة . وهو علم يشغل مكانة مهمة في الإسلام والعلوم الشرعية ، حيث يساهم في فهم وتفسير القرآن الكريم بشكل أفضل .
تعريف علم القراءات :
وهوعلمٌ يُعْرَف به كيفية النطق بالكلمات القرآنية ، وكيفية أدائها ، كما يُعلم منه اتفاق الناقلين لكتاب اللّه تعالى واختلافهم في الحذف والإثبات والتحريك والتسكين والإبدال والإمالة والفتح والمد والقصر وغير ذلك من هيئة النطق ، مع نسبة كل وجه لناقله ، وهو مُستمَدٌّ من النقول المتواترة _التي كثر ورودها وتعدَّدَ رُواتُها إلى حد يستحيل معه التَّواطؤ على الكذب _ ، الموصولة الى النبي صلى اللّه عليه وسلم .
[ وعرَّفه ابن الجَزَرِيّ _رحمه اللّه_ بقوله : ‘‘ علمٌ بكيفية أداء كلمات القرآن ، واختلافها معزوَّا لناقله ’’(*) ]
(*) [ مُنجد المُقرئين ومرشد الطالبين ص 49] .
ثمرته وفائدته :
العصمة من الخطأ في النطق بالكلمات القرآنية ، وصيانتها من التحريف والتغيير ، والعلم بما يقرأ كل إمام من أئمة القراءة ، والتمييز بين ما يُقرأ به وما لا يُقرأ به. (*)
(*) الارشادات الجلية / الاستاذ الدكتور محمد محمد محمد سالم محيسن ، ص 15 .
أركان القراءة الصحيحة
قال ابن الجَزَرِي _ رحمه اللّه _ : ( كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً ، وصحَّ سندها ، فهي القراءة الصحيحة ، التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها ، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووجب على الناس قبولها .
وقد نظمها ابن الجَزَريّ في طيِّبة النشر بقوله :
14_ فَكُلُّ مَا وافَقَ وَجْهَ نَحْوِ .... وَكَانَ لِلرَّسْمِ احْتِمالاً يَحْوِي
15_ وَصَحَّ إسْناداً هُوَ القُرآنُ .... فَهذِهِ الثَّلاثَةُ الأَرْكَانُ
16_ وَحَيثُما يَخْتَلُّ رُكْنٌ أثبِتِ .... شُذُوذَهُ لَو أنَّهُ في السَّبْعَةِ (*)
(*) ينظر : النشر في القراءات العشر 9/1
الشرح :
1_ أن تُوافق القراءة العربية ولو بوجه :
والمراد بما وافق العربية بوجه من وجوه اللغة العربية ، سواء أكان أفصح أم فصيحاً ، مُجمعاً عليه أم مُختَلَفاً فيه ، إذا كانت القراءة مما شاع وذاع ، وتلقاها الأئمة بالإسناد الصحيح ، وهذا هو المختار عند المحققين في ركن موافقة العربية ، فنجد مثلاً بعض الكلمات القرآنية عند بعض القراء مفتوحة وعند بعضهم مرفوعة فطالما أن هذه الكلمة موافقة لوجه من أوجه اللغة العربية فيجوز أنها تُعرب منصوبة أو تُعرب مرفوعة فنقبل بها ، مثال ( وصية لأزواجهم ) [سورة البقرة اية 239] ، كلمة ( وَصِيَّةً ) تُقرأ بالنصب على أنها مفعول مطلق وتُقرأ أيضا في رواية اخرى بالرفع ( وَصِيَّةٌ ) على أنها مبتدأ .
2_ أن تكون موافقة لخط أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً :
والمراد موافقتها لكتابة مصحف عثمان ، ومن المعلوم أن المصاحف أول ما كُتبت لم يكن فيها تشكيل ولا نقط ، مثال ذلك (.. وأنْظُر إلى العِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ..) ) [سورة البقرة اية 259 ] فكلمة ( نُنْشِزُهَا ) تُقرأ في رواية بالزاي المضمومة ، وفي رواية اخرى ( نُنْشِرُهَا ) بالراء المضمومة .
قوله ‘‘ ولو احتمالاً ’’ : وذلك أن النطق بالكلمة قد يوافق رسم المُصحف تحقيقاً إذا كان مُطابقاً للمكتوب ، وقد يوافقه احتمالاً أو تقديراً باعتبار ما عرفنا أن رسم المصحف له أصول خاصة تسمح بقراءته على أكثر من وجه ، مثال ذلك : ( مَلِكِ يَومِ الدِّينِ ) رُسِمَت ( مَلِكِ ) بدون ألف في جميع المصاحف ، فمن قرأ ( مَلِكِ يَومِ الدِّينِ ) بدون ألف فهو موافق للرسم تحقيقاً ، ومن قرأ ( مَالِكِ ) فهو موافق تقديراً ( أي على تقدير إثبات الألف ) ، لحذف هذه الألف اختصاراً . والقراءتان صحيحتان متواترتان ، وهذا المقياس يجعل المصاحف العثمانية هي الأساس في القراءات القرآنية ، بحيث تتوافق القراءة الثابتة عن طريق النقل والرواية بما جاء في المصاحف العثمانية ولو احتمالاً ، لان الرسم العثماني قد يخالف بعض القراءات في زيادة حرف أو نقصانه أو إدغامه في حرف آخر ، وأكد ابن الجزري أن مخالف صريح الرسم في حرف مُدغم او مُبدل أو ثابت أو محذوف أو نحو ذلك لا يُعدُّ مخالفا إذا ثبتت القراءة به ووردت مشهورة مستفاضة .
3_ صحة إسنادها :
والمراد بصحة الإسناد أن يروي هذه القراءة عدل ضابط عن مثله ، وهكذا إلى الرسول _صلى اللّه عليه وسلم_ ، عندها تُعد القراءة صحيحة ، لأنها أُخِذت في كل مراحل السند عن شيخ مُتْقِن فَطِن ، لم يتطرق اللَّحن إلى قراءته _لأن القراءة سنة متبعة يُعتمَد فيها على سلامة النقل والرواية _ ، وذلك هو معنى العدل الضابط الذي يتصل سنده الى رسول اللّه _ صلى اللّه عليه وسلم _ ، والعلاَّمة ابن الجَزَرِيّ يشترط فوق ذلك التواتر ، وهو أن يروي القراءة جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب ، عن مثلهم ، وهكذا إلى رسول اللّه _صلى اللّه عليه وسلم_ بدون انقطاع في السند .
وإذا اختل ركن من هذه الأركان فالقراءة تكون عند ذلك شاذة . وإن كل قراءة اجتمعت فيها هذه الأركان يُحكم بقبولها _ويعتبر الركن الاخير شرط صحة الركنين السابقين_ .
صلة القراءات السبع بالأحرف السبعة (**)
لقد توهم بعض الناس أن قراءات الأئمة السبعة هي الأحرف السبعة المذكورة في حديث : ( أُنْزِلَ القرآن على بسعة أحرف ) زاعمين أن قراءة نافع حرف من الأحرف السبعة ، وقراءة ابن كثير هي حرف آخر من الأحرف السبعة ، وهكذا باقي قراءات الأئمة السبعة ، وهذا الرأي بعيد عن الصواب ، ومخالف للإجماع ، وذلك لامرين :
الأول : أن الأئمة السبعة لم يكونوا قد وجدوا على ظهر الدنيا إبّان نزول الأحرف السبعة .
الثاني : أن الأحرف السبعة نزلت في أول الأمر للتيسير على الأمة ، ثم نُسِخ الكثير منها بالعرضة الأخيرة ، مما حدا بالخليفة عثمان بن عفان _ رضي اللّه عنه _ إلى كتابة المصاحف التي بعث بها إلى الأمصار ، وأحرق ما عداها من المصاحف .
والصواب : أن قراءات الأئمة السبعة بل العشرة التي يقرأ الناس بها اليوم هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ، ووردت بها الأحاديث النبوية الشريفة ، وهي جميعها موافقة لخط مصحف من المصاحف العثمانية التي بعث بها الخليفة عثمان _ رضي اللّه عنه _ الى الأمصار ، بعد ان أجمع عليها الصحابة _ رضوان اللّه عليهم _ وعلى اطراح كل ما يخالفها .(*)
(*) يُنظر الوافي في شرح الشاطبية في القراءات السبع ، عبد الفتاح القاضي ص8 ، والقبس الجامع ص15.
قال ابن تيمية _ رحمه اللّه _ لا نزاع بين العلماء المعتبرين أن الأحرف السبعة التي ذكر النبي _ صلى اللّه عليه وسلم _ أن القرآن أُنزل عليها ليست هي قراءات القراء السبعة المشهورة .
بل أول من جمع قراءات هؤلاء هو الإمام ابو بكر بن مجاهد وكان على رأس المئة الثالثة ببغداد ، فإنه أحب أن يجمع المشهور من قراءات الحرمين _ أي مكة والمدينة_ ، والعراقين _ أي الكوفة والبصرة _ ، والشام إذ هذه الامصار الخمسة هي التي خرج منها علم النبوة من القرآن وتفسيره ، والحديث ، والفقه ، من الأعمال الباطنة و الظاهرة ، وسائر العلوم الدينية فلما أراد ذلك جمع قراءات سبعة مشاهير من أئمة قراء هذه الأمصار ، ليكون ذلك موافقاً لعدد الحروف التي أنزل عليها القرآن لا لاعتقاده أو اعتقاد غيره من العلماء أن القراءات السبعة هي الحروف السبعة ، أو أن هؤلاء السبعة المعنيين هم الذين لا يجوز أن يُقرَأ بغير قراءتهم ، ولهذا قال من قال من أئمة القراء : لو لا أن ابن مجاهد سبقني إلى حمزة لجعلت مكانه يعقوب الحضرمي إمام جامع البصرة ، وإمام قُرَّاء البصرة في زمانه في رأس المائتين (*).
(*) مجموعة فتاوى الشيخ ابن تيمية ، ج 13 / 389 ، 390 .
الفرق بين القرآن والقراءات
قال الإمام الزركشي صاحب البرهان : ‘‘ إن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان ..
فالقرآن : هو الوحي المنزل على رسول اللّه _ صلى اللّه عليه وسلم _ للبيان والإعجاز . والقراءات : هي اختلاف الفاظ الوحي المذكور في الحروف وكيفيتها ، ومن تخفيف وتشديد وغيرهما ، ولا بد فيها من التلقي والمشافهة ، لأن في القراءات أشياء لا تُحْكَم إلا بالسَّماع والمشافهة ’’ .
وقد وافقه على هذا الرأي كثير من العلماء كالسيوطي والقسطلاني والبنا الدمياطي .
ولقد خالفهم في هذا الدكتور / محمد سالم محيسن _ رحمه اللّه _ في كتابه : ( في رحاب القرآن ) حيث رأى أن القرآن والقراءات حقيقتان بمعنى واحد مستنداً إلى أن القرآن مصدر مرادف للقراءة ، والقراءات جمع قراءة فهما بمعنى واحد ، كما استند إلى الأحاديث النبوية التي أمر اللّه فيها رسوله _ صلى اللّه عليه وسلم _ أن يُقرئ أمته القرآن على سبعة أحرف ، وانتهى في كلامه إلى أن كلا منهما الوحي المنزل على رسول اللّه _ صلى اللّه عليه وسلم _ .
والواقع أننا إذا نظرنا إلى أن المراد بالقراءات تلاوة ألفاظ القرآن بها كأن نقول مثلاً : هذا يتلو القرآن بقراء نافع ، وذلك يتلوه بقراءة أبي عمرو ، فلا شك أنهما حقيقة واحدة لا يختلف فيها اثنان .
وأما إذا أردنا بالقراءات ( علم القراءات ) الذي بيَّنا معناه ، وغايته ، وواضعه آنفاً ، فعلى هذا يكون القرآن وعلم القراءات غير متحدَين اتحاداً حقيقياَ بل بينهما ارتباط وثيق ، لأن موضوع علم القراءات هو الكلمات القرآنية من حيث البحث في أحوالها الأدائية كما ذُكر _ واللّه أعلم _ (*) .
(*) القبس الجامع لقراءة نافع من طريق الشاطبية للشيخ ( عطية قابل نصر ) .
بيان أن القراءة سنة متَّبعة
كل ما صحَّ عن النبي _ صلى اللّه عليه وسلم _ من قراءة فقد وجب قبوله ، ولم يسع احداً من الأمة رده ولزم الإيمان به وأن كله منَزَّل من عند اللّه ، إذ كل قراءة منها مع الأخرى بمنزلة الآية مع الآية يجب الإيمان بها كلها واتباع ما تضمنته من المعنى علماً وعملاً ، ولا يجوز ترك موجب إحداها لأجل الأخرى ظناً أن ذلك تعارض ، وإلى ذلك أشار عبد اللّه بن مسعود _ رضي اللّه عنه _ بقوله : ( لا تختلفوا في القرآن ولا تتنازعوا فيه ، فإنه لا يختلف ولا يتساقط ، ألا ترون أن شريعة الإسلام فيه واحدة ، حدودها وقراءتها وأمْرُ اللّه فيها واحد ، ولو كان من الحرفين حرف يأمر بشيء ينهى عنه الآخر كان ذلك الاختلاف ، ولكنه جامع ذلك كله ، ومن قرأ على قراءة فلا يدعها رغبة عنها فإنه من كفر بحرف منه كفر به كله )’’ (*) .
(*) النشر في القراءات العشر ج1 ص 51 .
آثار في وجوب اتباع القراءة
_ عن عبد اللّه ابن مسعود عن علي _ رضي اللّه عنهما _ قال : إن رسول الله _ صلى اللّه عليه وسلم _ يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما عُلِّم .
_ عن حماد بن ابراهيم ، قال : قال عبد اللّه : اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم .
_ عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد اللّه قال : إني قد سمعت القراء فوجدتهم متقاربين فاقرؤوا كما عُلِّمتم ، وإياكم والاختلاف والتنطُّع .
_ وعن عروة بن الزبير ، قال : إنما قراءة القرآن سنة من السنن فاقرؤوه كما أُقْرِئْتُمُوه .
_ عن شبل بن عباد ، قال : كان ابن مُحَيْصِن وابن كثير يقرءان ( وَأنُ احْكُم ) ، ( أنُ اشْكُرْ) ، ( وَقَالَتُ اخْرُج ) ، ( رَبُّ انْصُرْنِي ) ونحوه ، فقال شبل بن عباد : فقلت لهما إن العرب لا تفعل هذا ولا أصحاب النَّحو ، فقال إن النَّحو لا يدخل في هذا ، وهكذا سمعت أئمتنا ومن مضى من السلف (*).
(*) ينظر جامع البيان في القراءات السبع _أبو عمرو الداني _ ص37 : 39 .
أنواع القراءات (*)
أولاً : المتواتر
هذا القسم يُقرأ به اليوم وذلك ما اجتمع فيه ثلاث خلال ، وهن : أن ينقل عن الثقات عن النبي _صلى اللّه عليه وسلم_. ويكون وجهه في العربية التي نزل بها القرآن سائغاً ، ويكون موافقاً لخط المصحف العثماني ، فإذا اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث قُرِئ به ، وقُطع على مغيبه وصحته وصدقه ، لأنه أُخِذَ عن إجماع من جهة موافقة خط المصحف ، وكفرمن جحده ، ، ومثاله قراءة ( مَالِكِ ، ومَلِكِ ) )[سورة الفاتحة : 4 ] ( يَخْدَعُون ، ويُخَادِعُون ) )[سورة البقرة : 9 ، الموضع الثاني في الاية] ( وأوصى ، ووصَّى ) )[سورة البقرة : 132 ] ( يَطَّوَّع ، وتَطَوَّع ) )[سورة البقرة : 184 ]
والحاصل : أن القراءات السبع متواترة اتفاقا ، وكذا الثلاثة ( أبو جعفر ، ويعقوب ، وخلف ) على الأصح به هو الصحيح المختار ، وهو الذي تلقيناه عن عامة شيوخنا .
ثانياً : الآحاد
هو ما صح نقله عن الآحاد ، وصح وجهه في العربية ، وخالف لفظه خط المصحف ، فهذا يُقبل ولكن لا يُقرأ به لعلتين :
احداهما :أنه لم يُؤخذ بإجماع إنما أُخِذ بأخبار الآحاد ، ولا يثبت قرآن يُقرَأ به بخبر الواحد .
العلة الثانية : أنه مخالف لِما قد أجْمِعَ عليه فلا يقطع على مغيبه وصحته ، وما لم يقطع على صحته لا يجوز القراءة به ، ولا يكفر من جحده ولبئس ما صنع إذا جحده ، ومثاله قراءة عبد اللّه بن مسعود وأبي الدرداء : ( والذكر والأُنثى ) في قوله تعالى ( وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى ) [سورة الليل : 3 ] ، وقراءة ابن عباس : ( وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وأما الغلام فكان كافرا) ، في قوله تعالى { وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأخُذُ كُلَّ سَفِيْنَةٍ غَصْبَا (79) وَأمَّا الغُلَامُ فَكَانَ أبَواهُ مُؤمِنَيْنِ ....(80) } )[سورة الكهف ]
(*) النشر في القراءات العشر 20/1 ، ومذهب المقرئين ( لابن الجزري ) ص89
ثالثاً : الشواذ
هو ما نقله غير ثقة (*) ، أو نقله ثقة ولا وجه له في العربية فهذا لا يُقبل وإن وافق خط المصحف كقراءة ابن السّمِيفع وأبي السَّمَّال وغيرهما في قوله تعالى : ( نُنَجِّيْكَ بِبَدَنِكَ ) )[سورة يونس : 92 ] قرأها ( ننحيك ) : بالحاء بدل الجيم ، و ( لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَة ) [سورة يونس : 92 ] قرأها بفتح سكون اللام ( خَلَفَكَ ) ، وكالقراءة المنسوبة إلى الإمام أبي حنيفة رحمه اللّه التي جمعها أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي ونقلها عنه أبو القاسم الهذلي وغيره فإنه لا أصل لها .
(*) ينظر في النشر في القراءات العشر ( لابن الجزري ) ص 16
رابعاً : المُدرَجة (*)
وهي التي زيدت على وجه التفسير كقراءة سعد بن أبي وقاص : في قوله تعالى (... ولَهُ أخٌ أو أُخْتٌ ...) [سورة النساء : 12] قرأها ( وله أخ أو أخت من أم ) بزيادة لفظ (من أم ) فلا يجوز الاعتقاد بأن هذه الزيادة من القرآن .
(*) القبس الجامع لقراءة نافع .( عطية قابل نصر ) ص 23.
تنقسم القراءات من جهة النقل إلى قسمين (*)
1_ قراءة متواترة .
2_ قراءة أحادية ولها قسمان
(أ)_ قراءة مشهورة .
(ب)_ قراءة غير مشهورة .
(*) يُنظر تقريب النشر في القراءات العشر ( لابن الجزري ) ص7 .
تنقسم القراءات من جهة قبولها ، وعدم قبولها إلى ثلاثة أقسام
1_ القراءات المقبولة .
2_ القراءات المردودة .
3_ القراءات المُتوقف فيها .
أما المقبولة فهي نوعان
(أ)_ القراءة المتواترة .
(ب)_ القراءة الصحيحة المشهورة .
وكلاهما توفرت فيها الشروط الثلاثة الاتية :
1_ صحة سندها وتواترها .
2_ موافقتها للغة العربية .
3_ موافقتها لرسم المصاحف العثمانية .
قال الإمام ابن الجزري في الطيبة :
فإذا اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة كانت القراءة شاذة مردودة ، ولا يجوز القراءة بها .
القراءات المردودة فهي ثلاثة أنواع :
1_ القراءة التي وافقت الرسم وخالفت العربية .
2_ القراءة التي لم يصح سندها .
3_ القراءة التي لا سند لها .
القراءات المتوقف فيها :
هي كل قراءة صح سندها ، ووافقت العربية ، وخالفت رسم المصحف .
والقراءات غير الصحيحة تُعَلَّم ويُؤخد منها الأحكام والتفسير واللغة ولكن لا يُقرأ بها على وجه التعبُّد .
اختلاف القراءات وأسبابه (*)
المراد بالبحث عن اختلاف القراءات هنا هو الاختلاف في القراءات المتواترة ، أما غير المتواترة فلا نتعرض لها كما لإجماع الأصوليين والفقهاء _رحمهم اللّه_على أن الشاذ ليس بقرآن لعدم صدق الحد عليه ، وذهب الجمهور إلى تحريم القراءة به ، وإنه إن قرأ به غير معتقد أنه قرآن ولا يوهم أحد بذلك بل لِما فيه من الأحكام الشرعية عند من يحتج به أو الأحكام الأدبية فلا خلاف في جواز القراءة به وعليه يحمل من قرأ به من المتقدمين قالوا : وكذا يجوز تدوينه في الكتب والتكلم على ما فيه ، وأجمعوا على أنه لم يتواتر شيء مما زاد على العشرة المشهورة . (*)
(*) إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر ص 8 .
ويرجع السبب في اختلاف القراءات إلى عدة أمور نذكر منها ما يلي :
أولاً :
أن مرجع هذه القراءات المتعددة إلى السُّنَّة والإتِّباع لا الرأي والابتداع ، وكذا إلى النقل الصحيح المتصل سنده بالرسول _صلى اللّه عليه وسلَّم_ ، إذ ليس لأحد أن يقرأ قراءة بمجرد رأيه أو حسب هواه ، فيغير عبارة بأخرى ، أو كلمة بمرادفها ، لأن القراءة سنة متبعة .
ومما يؤيد ذلك أن القراء قد يتفقون في بعض المواضع ، وقد يختلفون في بعضها مما يؤكد أن القراءة إنما تُؤخذ بالتلقي والمشافهة .
وإن اختلاف الصحابة _رضوان اللّه عليهم_ في القراءة على عهد رسول اللّه _صلى اللّه عليه وسلَّم_لخير دليل على أن القراءة أساسها ومردها السَّماع من رسول اللّه _صلى اللّه عليه وسلَّم_ والنقل عنه ، وليس للقياس أو الإجتهاد في ذلك مدخل .
ثانيا :
أن الصحابة _رضوان اللّه عليهم_ قد اختلف أخذهم عن رسول اللّه _صلى اللّه عليه وسلَّم_ فمنهم من أخذ القرآن عنه بحرف واحد ، ومنهم من أخذه بحرفين ، ومنهم من زاد على ذلك ومن هنا نشأ اختلاف القراءات كما سبق أن ذكرنا ذلك .
ثالثا :
أن الخليفة عثمان بن عفان _رضي اللّه عنه_ حرص على أن يرسل مع كل مصحف صحابيا يعلِّم الناس القرآن بما يوافق مصحفهم ، فأقرَأ كل صحابي أهل إقليمه بما سمعه من رسول اللّه _صلى اللّه عليه وسلَّم_، وقد تمسك أهل كل إقليم بما تلقَّوه سماعاً من الصحابي الذي أقرَأهم .
من أجل هذا ظهر الأختلاف في القراءات ، وبقي أهل كل إقليم محتفظين بما تركه فيهم ذلك الصحابي الذي لقَّنهم القرآن كما تعلَّمه من رسول اللّه _صلى اللّه عليه وسلَّم_ ثم بقي الرُّواة عنهم متمسكين بذلك إلى أن تلقاه الأئمة القراء أصحاب القراءات المشهورة الذين تخصَّصُوا وانقطعوا للقراءات يتلونها وينشرونها ، فنقلها عنهم الرُّواة على ذلك الاختلاف الذي أجمع المسلمون على أنه لا يجرح في صحة القرآن وسلامة نقله عن الرسول _صلى اللّه عليه وسلَّم_ كما لقنهم إياه .
ومن هذا كله يتضح أن الاختلاف في القراءات ليس اختلاف تضاد أو تناقض ، لاستحالة وقوع ذلك في القرآن ، لكنه اختلاف تنوُّع وتغايُر يُصدِّق بعضه بعضاً ، ويفسِّر بعضه بعضاً ، ويشهد بعضه لبعض ، وذلك تبعاً لما تلقاه الصحابة من فِي رسول اللّه _صلى اللّه عليه وسلَّم_ .
وليس من المعقول بحال من الأحوال ، والصحابة على قرب العهد من رسول اللّه _صلى اللّه عليه وسلَّم_ يقتفون أثره ويترسَّمون خطاه أن يسمحوا لأحد منهم أن يحيد قيد شعرة عما تركهم عليه رسول اللّه _صلى اللّه عليه وسلَّم_ من التوقيف والتعليم ، وبخاصة في كل ما يتصل بنقل كتابهم العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد .
(*) القبس الجامع لقراءة نافع من طريق الشاطبية _عطية قابل نصر _ 19 .
فائدة اختلاف القراءات
1_ التسهيل والتخفيف على الأمة في قراءة كتاب الله بما يوافق لهجاتهم .
2_ كمال الإعجاز وغاية الإختصار ، وجمال الإيجاز .
3_ بيان صدق الرسول _صلى اللّه عليه وسلَّم_ في أنه رسول رب العالمين وأن هذا القرآن كلام الرَّحمن الرَّحيم ، بعظيم البرهان ، وواضح الدلالة ، إذ هو مع كثرة هذا الاختلاف وتنوعه لم يتطرق إليه تضاد ولا تناقض ولا تخالف ، بل كله يصدق بعضه بعضاً ، ويبين بعضه بعضاً ، ويشهد بعضه لبعض على نمط واحد واسلوب واحد .
4_ سهولة حفظه وتيسير نقله على هذه الامة ، فإنه من يحفظ كلمة ذات أوجه أسهل عليه وأقرب إلى فهمه وأدعى لقبوله من حفظه جملاً من الكلام تؤدي معاني تلك القراءات المختلفات .
5_ إعظام اجور هذه الامة حيث أنهم يُفرِغون جهدهم ليبغوا قصدهم في تتبُّع معاني ذلك واستنباط الحكم والأحكام من دلالة كل لفظ .
6_ بيان فضل هذه الأمة وشرفها على سائر الأمم ، من حيث تلقيهم كتاب ربهم هذا التلقي .
7_ إظهار سر اللّه تعالى في تولِّيه حفظ كتابه العزيز وصيانة كلامه المنزل بأوفى البيان والتمييز .
8_ الأضافة والزيادة في المعاني المستنبطة من كتاب الله ، وبذلك أعتمد العلماء في الترجيح بين الأقوال في كثير من المسائل الفقهية بناءً على القراءة التي فيها زيادة بيان او استدلال للمسألة .
9_ اثراء اللغة ببيان الأوجه المتعددة الصحيحة لبعض المسائل اللغوية ، والأستدلال عليها بشواهد قرآنية .
(**) كتاب الاصول النيرات في القراءات ( الاستاذة أماني بنت محمد عاشور ) ص 48_60 (بتصرف) .
اختلاف القراءات وانواعه
المراد باختلاف القراءات الثابتة رواية عن النبي _صلى اللّه عليه وسلم_اختلاف تنوع وتغاير ، لا اختلاف تضاد وتناقض ، لأن ذلك مُحال أن يكون في كلام اللّه تعالى ، والدليل على ذلك قول اللّه تعالى ( أفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرءَانَ وَلَو كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيْهِ اخْتِلَافَاً كَثِيْرَاً ) [سورة النساء :81] .
والإختلاف في القراءات القرآنية على ثلاثة أنواع :
النوع الأول :
اختلاف اللفظ مع اتحاد المعنى : مثل قوله ( الصِّراط ) قُرأت بالصاد ، أو باشمام الصاد زايا ، أوبالسين ( السِّراط ) ، ومثل كلمة ( الأُكل ) [سورة الرعد : 4] قُرأت بإسكان الكاف وبضمها .. وكذلك ما أشبهه ، ونحو ذلك مثل الإظهار والإدغام ، والمد والقصر ، والتفخيم والترقيق ، والفتح والإمالة ، وتحقيق الهمز وتخفيفه ، وشبهه مما يطلق عليه أنه لغات فقط ، وهذا النوع هو الغالب في القرآن .
النوع الثاني :
اختلاف اللفظ والمعنى معاً ، مع جواز اجتماعهما في شيء واحد ، كما في قوله تعالى ( مَالِكِ يَومِ الدِّيْنِ ) [ سورة الفاتحة 4 ] ، قُرأت ( مالِك ) بالألف ، و( مَلِك ) بغير ألف ، فالقراءتان مختلفتان في اللفظ ، ومعنى (مَلِك) مختلف عن معنى (مَالِك) لكن المراد في القراءتين واحد : هو اللّه سبحانه وتعالى فهو مالك يوم الدين ومَلِكَه ، فقد اجتمع له الوصفان جميعا ، فأخبر اللّه تعالى به في القراءتين .
وكذا قوله ( وَمَا هُوَ عَلى الغَيْبِ بِضَنِيْن ) [ سورة التكوير24 ] فكلمة ( بِضَنين ) قُرأت بالضاد ، و ( بِظَنِين ) بالظاء ، لأن المراد بهاتين القراءتين هو النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك أنه كان غير ظنين على الغيب ، أي : غير مُتَّهم فيها أخبر به عن اللّه تعالى ، وغير ضنين به ، أي : غير بخيل بتعليم ما علمه اللّه وأنزله إليه ، فقد انتفى عنه الأمران جميعاً ، فأخبر اللّه تعالى عنه بهما في القراءتين وكذا ما أشبهه .
النوع الثالث :
اختلاف اللفظ والمعنى معاً مع امتناع اجتماعهما في شيء واحد ، لكن يتفقان من وجه آخر لا يقتضي التضاد مثل قراءة قول اللّه تعالى ( حَتَّى إذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أنَّهُمْ قّدْ كُذِبُوا .. ) [سورة يوسف :110 ] كلمة ( كُذِبُوا ) قُرأت بتخفيف الذال المكسورة ، وقُرأت ( كُذِّبُوا ) بتشديد الذال المكسورة ، فأما وجه التخفيف فالمعنى : وتوهم المُرسَل إليهم أن الرسل قد كَذَبوهم فيما أخبروهم به ، وأما وجه التشديد فالمعنى : وتيقن الرسل ان قومهم قد كذَّبوهم ، فالظن في القراءة الاولى شك ، والضمائر الثلاثة للمُرسَل إليهم ، والظن في القراءة الثانية يقين ، والضمائر الثلاثة للرسُل (*) .(*) [النشر في القراءات العشر ج/1 ص 50 ] (بتصرف) .
قال الإمام ابن تيمية _ رحمه اللّه _ ‘‘ القراءات التي يتغاير فيها المعنى : كلها حق ، وكل قراءة منها مع القراءة الأخرى بمنزلة الآية مع الآية ، يجب الإيمان بها كلها ، واتباع ما تضمنته من المعنى ، علماً وعملاً ، لا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى ، ظنَّاً أن ذلك تعارض . ’’(*)
(*) مجموع فتاوى ابن تيمية ، ص 391 .
القراءات الأربع الزائدة على العشر ( الشاذة )
اشتهر عدد من الأئمة بنسبة القراءات الشاذة إليهم ، وتعد قراءات هؤلاء الأئمة من أشهر القراءات بعد القراءات العشر ، وبعض العلماء يجعلها في عداد الأحاد ، إذ لم تبلغ حد التواتر ، وهي عندهم صحيحة السند ، وقد ذكر سندهم الشيخ المتولي في كتابه : ( العجالة البديعة الغرر ، في أسانيد الأئمة القراء الأربعة عشر ) .
وأشهر هؤلاء الأئمة هم :
1_ الإمام محمد بن عبد الرحمن بن مُحَيْصِن السهمي ، المتوفى سنة 123 هـ ، مُقرئ أهل مكة مع الإمام ابن كثير ، وأعلم قراء مكة بالعربية .
2_ الإمام يحيى بن المبارك اليزيدي البصري ، المتوفى 202 هـ ، نحوي مقرئ .
3_ الإمام الحسن البصري ، إمام زمانه علماً وعملاً ، المتوفى 110 هـ .
4_ الإمام سليمان بن مِهران الأعمش ، إمام جليل ، مقرئ الأئمة الأعلام المتوفى 148 هـ . (*)
(*) كتاب القراءات الشاذة وتوجيهها من لغة العرب ، للشيخ عبد الفتاح القاضي ص5_8 ، وكتاب القراءات الشاذة للاستاذ الدكتور سامي عبد الفتاح هلال ص37 ، ص 96
قال ابن عابدين :‘‘ القرآن الذي تجوز به الصلاة بالإتفاق ، هو المضبوط في مصاحف الأئمة ، التي بعث بها عثمان رضي اللّه عنه إلى الأمصار ، وهو الذي أجمع عليه الأئمة العشرة ، وهذا هو المتواتر جملةً وتفصيلاً ، فما فوق السبعة الى العشرة غير شاذ ، وإنما الشاذ ما وراء العشرة ، وهو الصحيح (*)’’(*) ابن عابدين ، رد المحتار (1: 486) .
ولكن يجوز الاحتجاج بهذه القراءات في حكم شرعي أو حكم نحوي بشروط ، وهي (*) :
1_ عدم اعتقاد أنها قرآن .
2_ الا يوهم أحداً بأنها قرآن .
3_ أن يكون ذكره لها من باب الاحتجاج بها في الأحكام الشرعية أو اللغوية عند من يحتج بها ، لأنها دُوِّنت في الكتب من اجل هذا الغرض ، وعلى هذا يُحمل قول من اجاز قراءة الشواذ ، بمعنى النقل والرواية من أجل حكم شرعي أو لغوي .
(*) الموسوعة الفقهية الكويتية ج33 ص 44 ، (3) مادة قراءات .
وقد انفردت هذه القراءات الأربع بالشهرة دون غيرها لأسباب منها :
1_ أنها قراءات متصل سندها إلى أصحابها .
2_ ولكل قراءة طريق متصل السند إلى إمام من أئمة هذا الفن .
3_ ولكلِّ إمام راويان .
فأما قراءة ابن مُحَيْصِن فمن روايتي : البزي (ت 250 هـ) ، وابن شَنْبُوْذ (ت 328 هـ) .
وأما قراءة الأعمش فمن روايتي : المُطَّوِّعِي (ت 371 هـ ) ، والشَّنبُوْذِي (ت 388 هـ ) .
وأما قراءة الحسن فمن روايتي : البَلْخِي (ت 190 هـ) ، والدُّوْرِي (ت 246 هـ) .
وأما قراءة اليزيدي فمن روايتي : سُليمان بن الحكم (ت 235 هـ) ، وأحمد بن فرح (ت 303 هـ) .
4_ وقراءتهم جاءت على نحو القراءات العشر من حيث ترتيب الأصول والفرش للقرآن كله .
ومما تجدر الإشارة إليه أن هذه القراءات الأربع الزائدة على العشر منها ما وافق المتواتر _ وهو الأكثر _ ومنها ما شذ ، وإطلاق وصف الشذوذ (1) عليها من حيث تفرد طرقها ، واشتمالها على الشاذ لا أن كل فرد منها شاذ ، ولذا إطلاق الوصف بـ : (الأربعة الزائدة على العشر) أمان من الوقوع في اللبس عند البعض .
(1) على كثرة المصنفات في القراءات الأربعة فلا تجد كتابا وصفها بالشاذ إلا في كتاب واحد متاخر وهو كتاب : الملتاذ في الأربعة الشواذ للخضيري (ت 1198 هـ) وهو مخطوط . وإنما كان يُعبَّر عنها : بالزائدة ، أو بوصف قرائِها الاخيار ، او الثقات ، أو تُجمع في العدد مع المتواترة .
(*) موقع الموسوعة القرآنية ، بحث بعنوان : القراءات الشاذة وأثرها في التفسير ، للدكتور عبد اللّه بن حماد بن حميد القرشي ص 27 ـ 29 .
مصطلحات في علم القراءات(**)
القارئ :
هو الرجل الذي تنتهي إليه نسبة القراءة من القراء العشرة ، وهو الذي يُذكر عند اتفاق الراويين أو الرواة عنه .
الراوي :
وهو الآخذ عن القارئ مباشرة ، أو الناقل عنه بواسطة .
الطريق :
هو الآخذ عن الراوي وإن سَفَل ( أي الآخذ عن الراوي ، والآخذ عن الآخذ عن الراوي ، والآخذ عن الآخذ عن الآخذ ..... ، كُلٌ يُسمى طريق ) .
القراءة :
كل خلاف ( اختيار ) نُسِب إلى إمام من أئمة القراءات مما أجمع عليه الرواة عنه ، بكيفية القراءة لِلَّفظ القرآني على ما تلقاه مُشافهة متصلاً سنده برسول اللّه _صلى اللّه عليه وسلم_ .
مثال على القراءة :
قوله تعالى ( مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ )
فكلمة (( مَلِك )) :
تُقرأ بحذف الألف ( مَلِك ) ،
وهي قراءة : أبي جعفر ، و نافع ، وابن كثير ، وأبي عمرو ، وابن عامر ، وحمزة .
و تُقرأ ( مَالِك ) بإثبات الألف ،
وهي قراءة : عاصم ، والكسائي ، ويعقوب ، وخلف العاشر .
رواة هؤلاء الأئمة المذكورين لم يختلفوا مع بعضهم في نقل قراءة هذه الكلمة ، فمن ثَمَّ نُسِبَت القراءة إلى شيخ كل واحد منهم ، وعُبِّر عن الخلاف المذكور بـ ( القراءة ) فقيل : قراءة نافع ، وقراءة عاصم ... وهكذا .
الرواية :
كل خلاف نُسِبَ إلى الآخذ عن إمام من أئمة القراءة ولو بواسطة ، بشرط أن تتفرع عنده الطرق . كرواية [ حفص عن عاصم ] مباشرة ، فقد نقل حفص القراءة عن الإمام عاصم بدون واسطة .
وكرواية [ الدُّوريّ عن أبي عمرو ] بواسطة ، فقد نقل الدوريّ القراءة عن الإمام أبي عمرو بواسطة وهو ( يحيى اليزيدي ) .
مثال توضيحي : نقل الراويان ( خلف + خلَّاد ) قراءة الإمام حمزة عنه بواسطة وهو ( سُلَيْم ) ، فـ [ سُلَيْم ] واسطة لم تتحقق عنده شروط الراوي ، فقد نقل عن القارئ اختياراته والطريقة التي التزم بها في القراءة ولم تتفرع عنده القراءة .
مثال على الرواية :
مثل كلمة ( الصِّراط ) حيث ما وردت :
1_ فهي تُقرأ بالسين الخالصة في رواية قنبل عن ابن كثير ورواية رويس عن يعقوب .
2_ وبالإشمام (خلط صوت الصاد بصوت الزاي) في رواية خلف عن حمزة .
3_ والصاد الخالصة للباقين ..
الطريق :
كل خلاف نُسِب الى الآخذ عن الراوي وإن سَفَل ( أي الآخذ عن الراوي والآخذ عن الآخذ عن الراوي والآخذ عن الآخذ عن الآخذ عن الراوي ..... وهكذا ، كُلٌ يُسمى طريق ) .
مثل طريق الأزرق عن ورش ، وطريق عُبَيْد بن الصَّبَّاح عن حفص ، ومثل طريق الشاطبية والدُّرَّة المُضيئة ، وطريق طَيِّبَة النشر .
وهذه الطرق هي التي تٌؤخذ منها القراءات المتواترة في زماننا .
مثال توضيحي : [ عاصم قارئ ] .. [ شعبة + حفص = راويا عاصم ] .. [ عُبَيد بن الصبَّاح = طريق حفص من الشاطبية ] . فيقال : رواية حفص عن عاصم من طريق عُبَيد بن الصبَّاح أو من طريق الشاطبية .
مثال على الطريق :
مثل فتح حرف الضاد من كلمة : ( ضَعْف ) [ سورة الروم : 54 ] ، فهي قراءة حمزة ، ورواية شعبة عن عاصم ، وطريق عُبَيد بن الصَّبَّاح عن حفص .
الوجه :
هو الخلاف الجائز المُخَيَّر فيه القارئ ، كأوجه الإستعاذة ، وأوجه البسملة بين السورتين ، والوقف بالسكون والروم والإشمام ، والوقف بالعارض للسكون بالطول والتوسط والقصر ، فبأي وجه أتى القارئ أجزأه .
وعلى هذا فإن الخلاف ينقسم إلى قسمين :
أ_ الخلاف الواجب .
ب_ الخلاف الجائز .
الفرق بين الخلاف الواجب والخلاف الجائز (*) :
الخلاف الواجب :
هو خلاف القراءات والروايات والطرق ، بمعنى أن القارئ مُلزم بالإتيان بجميعها عند تلقي القراءة ، فلو أخلَّ بشيء منها عُدَّ ذلك نقصاً في روايته ، كأوجه البدل مع ذوات الياء لورش فهي طرق وإن شاع التعبير عنها بالأوجه تستاهلاً .
والخلاف الواجب يكون في أصول القراءة ، ومثاله الخلاف في المد الجائز المنفصل وكالخلاف في الإمالة ، وغيرها من الأصول .
ويكون أيضاً في فرش الكلمات ، ومثاله : الخلاف في قراءة لفظ : ( فرهين ) في قوله تعالى (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِيْنَ )[سورة الشعراء : 149] فقد قرأ ابن عامر ، والكوفيون ( عاصم وحمزة والكسائي وخلف ) بالألف : ( فارِهِيْن ) وقرأ الباقون بدون ألف : ( فَرِهِيْن) .
الخلاف الجائز :
هو خلاف الأوجه التي على سبيل التخيير والإباحة ، فالقارئ مُخَيَّر في الإتيان بأي وجه منها عند تلقي القراءة ، وهو غير مُلزم بالإتيان بها كلها فلو أتى بوجه منها أجزأه ولا يعتبر ذلك تقصيرا منه ولا نقصاً في روايته ، وهذه الأوجه الاختيارية هي أوجه دراية ( أي خاضعة لمعرفة وفهم واجتهاد العلماء ) ، لا يُقال لها قراءات ولا روايات ولا طرق بل يُقال لها أوجه فقط
مثال على الخلاف الجائز :
كأوجه الوقف على العارض للسكون بـ (القصر أو التوسط أو الإشباع ) ، وكأوجه قراءة البسملة بين السورتين بالوصل أو الفصل ، فمن قرأ بإثبات البسملة بين السورتين فله أن يقرأ بأحد الأوجه الثلاثة الجائزة .
(*) مقدمات في علم القراءات .د/ أحمد محمد القضاة ــ د/ أحمد خالد شكري ــ د/ محمد خالد منصور ص 78ــ 79 .(بتصرف)
تعريف الشاطبية :
هي قصيدة [ حِرْز الأماني ووجه التهاني ] ، وهي قصيدة لاميَّة من البحر الطويل عدد أبياتها 1173 بيتا ، اختصر فيها الإمام ( أبو القاسم بن فيرّه الأندلسيّ الشاطبيّ ) كتاب ( التيسير ) لأبي عمرو الدَّاني ، وذكر فيها الخلافات والأتفاقات بين القراء السبعة وهم : [ نافع المدني ، ابن كثير المكي ، أبو عمرو البصري ، ابن عامر الشامي ، عاصم الكوفي ، حمزة الكوفي ، الكسائي الكوفي ] ، وذكر فيها لكل قارئ راويين ، ولكل راوٍ طريقاً واحداً ، وذكر فيها زيادات عن كتاب التيسير في المخارج والصفات .
تعريف طريق الشاطبية :
هي كل خلاف أو اتفاق في كلمات القرآن بين القراء السبعة ورواتهم الأربعة عشر نتبع فيها ما ذكره الإمام الشاطبي في قصيدته [ حِرْز الأماني ووجه التهاني ] .
تعريف الدُّرَّة المُضِيْئة :
هي قصيدة لامِيَّة للإمام / محمد بن الجَزَرِيّ في القراءات الثلاث المتممة للعشر ، وهي قراءات الأئمة [ أبو جعفر المدني ، يعقوب الحضرميّ ، خلف العاشر ] ، واتبع فيها الإمام ابن الجزري منهج الإمام الشاطبي ، فجعل لكل قارئ راويين ولكل راوٍ طريقاً واحداً ، وبلغ عدد أبياتها 241 بيتاً .
تعريف طريق الدُّرَّة :
هي كل خلاف أو اتفاق في كلمات القرآن بين القراء الثلاثة المتمِّمين للعشرة ورواتهم الستة ، نتبع فيها ما ذكره الإمام ابن الجَزَرِيّ في قصيدته [ الدُّرَّة المُضِيْئة ] .
القراءات العشر الصغرى :
هي مجموع طرق الشاطبية والدرة المضيئة ، والتي ذُكِر فيها الخلافات بين القراء العشرة [ سبعة من الشاطبية + ثلاثة من الدرّة المضيئة ] ، وسُمِّيت بالصغرى : لأن عدد طرقها عشرون ( 20 ) طريقاً ، [ 14 طريقاً من الشاطبية + 6 طرق من الدرَّ المضيئة ] ، فهي قليلة مقارنة بطرق الطيِّبة البالغة ( 980 ) طريقاً والمُسَمَّاة بالعشر الكبرى .
تعريف طيِّبة النَّشر :
هي قصيدة من بحر الرَّجز في القراءات العشر للإمام / محمد بن الجزري ، نظم فيها كتابه [ النشر في القراءات العشر ] في 1014 بيت من الشعر ، جمع فيها صاحبها جميع القراءات المتواترة عن النبي _صلى اللّه عليه وسلم _ ، واعتمد فيها لكل راوٍ طريقين ، ولكل طريق منهما طريقين ، وتفرعت الطرق حتى بلغ عددها ( 980 ) طريقاً .
تعريف طريق الطيبة :
هي كل خلاف أو اتفاق في كلمات القرآن بين القراء العشرة ورواتهم العشرين نتبع فيها ما ذكره الإمام ابن الجزري في قصيدته [ طيِّبة النشر في القراءات العشر ] .
القراءات العشر الكبرى :
هي ما حوته منظومة [ طيبة النشر في القراءات العشر ] ، والتي ذُكر فيها الخلافات بين القراء العشرة ورواتهم ، وسُمِّيت بالكبرى : لكثرة عدد طرقها البالغة ( 980 ) طريقاً ، حيث ذُكر فيها لكل راوٍ طريقين ، ولكل طريق منهما طريقين ..... وهكذا .
أصول القراءة :
الأصل هو : خلافٌ بين القراء أو الرواة أو الطرق يندرج تحت قاعدة معينة ، كصلة هاء الضمير ، وصلة ميم الجمع ، والمدود ، وتسهيل الهمزات .
الفَرْش :
هو خلافٌ بين القراء أو الرواة أو الطرق لا يندرج تحت قاعدة معينة ، وإنما هو كلمات قلَّ دورانها ، منتشرة في القرآن الكريم .
مثال على الفرش :
قراءة قوله تعالى ( فَأزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا ) [سورة البقرة : 36] حيث تُقرأ الكلمة ( فَأزَلَّهما ) بحذف الألف بعد الزاي مع تشديد اللّام ، وتُقرأ ( فَأزالَهما ) بإثبات الألف بعد الزاي وتخفيف اللّام .
ملاحظة :
وقد يوجد في الفرش ما يخضع لقاعدة معينة كقول الإمام الشاطبي في كلمة ( القدُس ) ، بتسكين الدال في قراءة الإمام ابن كثير :
وقد يوجد في الأصول ما لا يخضع لقاعدة معينة وذلك كالمواضع المعنية في ياءات الإضافة وياءات الزوائد .
فالتسمية في كل منها باعتبار الكثير الغالب.
(**) موقع أبي عبد الرحمن السُّلمي لدراسة القرآن الكريم والسنة _ الإجازات . (بتصرف)
التحريرات (*)
: أما تعريف التحرير اصطلاحاً عند القائلين من أهل القراءات فهو تنقيح القراءة من أي خطأ أو خلل .
ويقصدون بذلك تميُّز الأوجه والطرق والروايات عن بعضها ، وعدم اختلاطها في الأداء حتى لا يقع القارئ في التلفيق _ أي خلط القراءات والروايات ببعضها _ .
(*)الأصول النيرات في القراءات / أ. أماني بنت محمد عاشور ص 63 ، / كتاب منهج ابن الجزري في كتابه النشر ، إعداد ‘‘ السالم الشنقيطي ’’ ج1ص125 .
فعلم التحريرات [هو علم يعتني بعزو أوجه طرق القراءات المختلَف فيها إلى من رواها من أصحاب الطرق وامَّهات مصادر القراءات ، ويهتم بتمييز الطرق وتنقيحها وبيان الجائز منها والممنوع وما يترتب عليها من الأوجه ، وأول من بدأ بها ابن الجزري في النشر (*)] .
(*) مختصر العبارات لمعجم مصطلحات القراءات ، ابراهيم الدوسري ، ص 42 .
أسماء القراء العشرة ورواتهم وطرقهم (**)
أسماء القرَّاء السبعة ورواتهم و ورموزهم الفردية كما في الشاطبية (*) :
- نافع المدني رمزه (أ) (70 ــ 169 هــ ) .
- الراوي الأول : قالون رمزه (ب) (120 ــ 220 هــ ) من طريق ( أبو نشيط ) .
- الراوي الثاني : ورش رمزه (ج) (110 ــ 197 هــ ) من طريق ( أبو يعقوب الأزرق ) .
- ابن كثير المكي رمزه ( د ) ( 45 ــ 120 هــ ) .
- الراوي الاول : البَزِّي رمزه ( هـ ) ( 170 ــ 250 هــ ) من طريق ( أبي ربيعة ) .
- الراوي الثاني : قنبل رمزه ( ز ) ( 195 ــ 291 هــ ) من طريق ( ابن مجاهد ) .
- أبو عمرو البصري رمزه (ح) ( 68 ــ 154 هـ ) .
- الراوي الأول : الدُّورِي رمزه ( ط ) ( 150 ــ 246 هـ ) من طريق ( أبي الزَّعْرَاء ) .
- الراوي الثاني : السُّوسِي رمزه (ي) ( 171 ــ 261 هـ ) من طريق ( ابن جرير ) .
- ابن عامر الشامي رمزه ( ك) ( 8 ويُقال 21 ــ 118 هـ ) .
- الراوي الأول : هشام رمزه ( ل ) ( 153 ــ 245 هـ ) من طريق ( الحَلَواني ) .
- الراوي الثاني : ابن ذكوان رمزه ( م ) ( 173 ــ 242 هـ ) من طريق ( هرون الأخفش ) .
- عاصم الكوفي رمزه ( ن ) ( 80 ــ 127 هـ ) .
- الراوي الأول : شعبة رمزه (ص) ( 95 ــ 193 هـ ) من طريق ( يحيى بن آدم ) .
- الراوي الثاني : حفص رمزه ( ع ) ( 90 ــ 180 هـ ) من طريق ( عُبَيْد اللّه الصَبَّاح ) .
- حمزة الكوفي : رمزه ( ف ) ( 80 ــ 156 هـ ) .
- الراوي الاول : خَلف رمزه ( ض) ( 150 ــ 229هـ ) من طريق ( إدريس الحدَّاد ) .
- الراوي الثاني : خَلَّاد رمزه ( ق ) ( 119 ــ 220هـ ) من طريق ( ابن شاذان ) .
- الكسائي الكوفي : رمزه ( ر ) ( 119 ــ 189 هـ ) .
- الراوي الأول : أبو الحارث ( الليث ) رمزه (س) ( 119 ــ 240هـ ) من طريق ( محمد بن يحيى ) .
- الراوي الثاني : الدُّوري رمزه (ت) ( 150 ــ 246هـ ) من طريق ( جعفر النصيبي ) .
- أبو جعفر : رمزه (أ) ( 35 ــ 130هـ ) .
- الراوي الاول : ابن وَرْدَان رمزه ( ب ) ( ت 160 هـ ) من طريق ( الفضل بن شاذان ) .
- الراوي الثاني : ابن جَمَّاز رمزه (ج ) ( ت 170 هـ ) من طريق ( ابي أيوب الهاشمي ) .
- يعقوب : رمزه ( ح ) ( 117 ــ 205 هـ ) .
- الراوي الأول : رُوَيْس رمزه ( ط ) ( ت 238 هـ ) من طريق ( النَّخَّاس ) .
- الراوي الثاني : رَوْح رمزه ( ي ) ( ت 233 هـ ) من طريق ( ابن وهب ) .
- خلف العاشر : رمزه ( ف) ( 150 ــ 229 هـ ) .
- الراوي الأول : إسحاق رمزه ( ض ) ( ت 286 هـ ) من طريق ( السوسنجري ) .
- الراوي الثاني : إدريس رمزه ( ق ) ( 199 ــ 292هـ ) من طريق ( الشطي ) .
(*) حل المشكلات وتوضيح التحريرات في القراءات . للعلامة ‘‘ محمد عبد الرحمن الجلنيجي ’’ .
فائدة : كل الطرق التي ذكرناها آنفاً هي التي اعتمدها الامام الشاطبي في منظومته المُسمَّاة نسبة له بـ (الشاطبية ) لذا يمكن الاستعاضة عن ذكر هذه الطرق بقولنا من طريق الشاطبية _ .
اسماء القراء الثلاثة المتممة للعشرة ورواتهم ورموزهم الفردية كما في الدُّرَّة (*) :
(*) حل المشكلات وتوضيح التحريرات في القراءات . للعلامة _ محمد عبد الرحمن الجلنيجي _ ص10 / شرح الإمام السمنودي _ أبو عبد اللّه محمد بن حسن المنير _ ص29 .
فائدة : الطرق التي ذكرناها آنفاً هي التي اعتمدها الامام ابن الجَزَري في منظومته المُسمَّاة ( الدُّرَّة المُضِيَّة ) لذا يمكن الاستعاضة عن ذكر هذه الطرق بقولنا من طريق الدرَّة _ .
(**) الأصول النيرات في القراءات / أ. أماني بنت محمد عاشور ص 71 ــ 73 . ( بتصرف )
أسباب انتشار بعض الروايات دون غيرها (*)
ومع مرور الزمن انتشرت بعض الروايات دون غيرها ، فمثلا رواية حفص عن عاصم انتشرت للأسباب التالية :
1_ استحسان العلماء والشيوخ والقراء لرواية حفص عن عاصم دون غيرها .
2_ أمْرُ أصحاب النفوذ والسلطان في الدولة العثمانية المدارس ودور العلم أن تعتمد رواية حفص عن عاصم .
3_ أمْرُ المطابع أن تطبع المصحف وفق رواية حفص عن عاصم .
ومن الروايات التي يقرأ بها عامة الناس في عصرنا الحالي ما يلي :
1_ رواية حفص عن عاصم : هي أكثر رواية منتشرة في العالم الإسلامي ، للأسباب التي بيناها سلفا.
2_ رواية ورش عن نافع : هذه الرواية منتشرة في بلاد المغرب العربي ( الجزائر والمغرب وموريتانيا ) ، وفي غرب أفريقيا ( السنغال والنيجر ومالي ونيجيريا وغيرها ) ، والى حد ما بعض نواحي (مصر وليبيا وتشاد وجنوب وغرب تونس ) .
3_ رواية قالون عن نافع : منتشرة في تونس وبعض بلاد المغرب العربي .
4_ رواية الدُّوري عن أبي عمرو البصري : يقرأ بها أهل الصومال ، والسودان ، وتشاد ، ونيجيريا ، وأواسط أفريقيا .
أما باقي الروايات فلا يقرأ بها عامة الناس ، بل يتم تداولها بين أهل العلم والقراء .
(*) موقع دليل الإتقان / القراء العشرة ورواتهم . ( بتصرف )
مصطلحات في كيفية الأداء
مصطلحات في علم القراءات تبين أداء القراءات من حيث الكيفية (**):
الفتح :
هو فتح الفم عند النطق بالالف بشكل وسط لا مبالغة فيه ، ويكون ذلك بتباعد الفكين عن بعضهما ، ويكون اللسان في وضع الراحة ، مثال (والضُحَى ) .
الإمالة الكبرى :
هو النطق بالفتحة قريبة من الكسرة ، وبالألف قريبة من الياء ، [ ويُتَجنَّب في الإمالة الكبرى القلب الخالص (إلى ياء) ، والإشباع المُبالغ فيه ] وتسمى أيضا : الإمالة المحضة ، والبطح ، والإضجاع ، مثال (والضُحَى ) .
التقليل
: مرتبة متوسطة بين الفتح والإمالة الكبرى ، مثال (والضُحَى ) . وتُسمى أيضاً : الإمالة الصغرى ، وبين بين ، وبين اللَّفظين ، والتلطيف ، والتوسط .
فائدة : والإمالة لهجة مشهورة (*) عند قبائل وسط الجزيرة وشرقيها مثل : تميم وأسد وطيئ وقيس ، والحروف التي تُمال هي الألف والفتحة التي قبلها ، وأسباب الإمالة هي :
1_ وجود كسرة في اللَّفظ قبل الألف مثل ( الرِّبَا ) ( كَمِشْكَاةٍ ) .
2_ وجود كسرة في اللَّفظ بعد الألف ، مثل ( النَّارِ ) (النَّاسِ ) .
3_ وجود كسرة في اللَّفظ في بعض الأحوال ، مثل ( طَابَ ) ( جَاءَ ) لأن أوائلها تُكسر إذا اتصلت بالضمير المرفوع فنقول ( طِبْتَ ) ( جِئتَ ) .
4_ وجود ألف مُنقلبة عن ياء نحو ( رَمَى ) ( سَعَى ) .
5_ وجود ألف تُشبه الالف المنقلبة عن ياء كألف التأنيث نحو ( الدُّنيا ) ( ذِكْرى ) .
6_ وجود إمالة اخرى في اللَّفظ مثل ( ونَئا ) تُمال فتحة النون لإمالة الهمزة والألف ، ويُسمى هذا السبب : الإمالة للإمالة .
7_ وجود ألف مرسومة ياءً وإن كان اصلها الواو مثل : ( والضُّحَى) ( دَحَاهَا ) .
السكت :
قطع الصوت على الكلمة القرآنية زمناً دون زمن الوقف ( يُقدَّر بحركتين ) من غير تنفس بِنيَّة متابعة القراءة .
والسكت قسمان : سكت للهمز وسكت لغيره ، والمشهور عن حمزة السكت على الساكن قبل الهمز مثل( .. إنَّ ابْنِي مِنْ أهْلِي .. ) ، والسكت لغير الهمز يكون على ألفاظ معينة لمن ورد عنه ذلك مثل سكتات حفص الواجبة مثال ( وقِيْلَمَنْ ( سكت ) رَاقٍ ) ، والسكت بين السورتين لمن يسكت بينهما ، فالسكت مُقيَّد بالسماع والرواية .
الإدراج :
وهو ضد السكت ، وهو وصل القراءة صوتاً ونَفَساً من غير سكت أو انقطاع ، وهو مصطلح مُقيَّد في استخدامه ، فلا يُطلق على موضع إلا إذا كان هذا الموضع يُقرأ بالسكت من رواية اخرى ، مثل ( وقِيْلَ( مَن رَّاقٍ ) ) .
السكون المحض :
هو تفريغ الحرف من الحركة ، وهو الأصل في الوقف ، لأن الوقف محل استراحة القارئ ، والسكون أبلغ في تحصيل الراحة ، ولأن الوقف ضد الإبتداء ، وكما اختص الإبتداء بالحركة اختص الوقف بالسكون .
الرَّوم :
ونعني به :
1_ تضعيف الصوت بالحركة ، فيُسمع لها صوت خفي ، يسمعه القريب دون البعيد، ويُقَدَّر بثلث الحركة .
2_ يدخل الرَّوم على المضموم أوالمرفوع ، والمكسور أوالمجرور ، ولا يدخل على المفتوح أو المنصوب مُطلَقاً .
3_ إن كان اللَّفظ الموقوف عليه مُنوَّناً حُذف التنوين وجيء ببعض صوت الضمة إن كان تنوين ضم ، مثل ( مُسْتَقِيْمٌ ) ، أو بعض صوت الكسرة إن كان تنوين كسر ، مثل ( حَمِيْدٍ ) .
4_ يكون في الوقف دون الوصل .
5_ يأتي في أخر الكلمة .
6_ يُعامل الرَّوم مُعَاملة الوصل ( أي أن الحروف الموقوف عليها بالرَّوم تُعامَل معاملة الوصل فمثلاً كلمة (خيرٌ) نقف عليها بـ راء مُفخَّمة عند الرَّوم كما نقرؤها وصلاً ، ولا يُمَد ( العارض للسكون ) معه بأكثر من مده الطبيعي _ حركتين _ فقط ، مثل ( الرَّحِيْمِ ).. وهكذا ) .
الأمثلة :( نَسْتَعِينُ ) ،( الرَّحْمنِ الرَّحِيْمِ ) ، ( غَفُورٌ رَحيمٌ ) ، ( والصَّلْحُ خَيْرٌ ) .
فائدة : المضموم (حركة بناء _ إذ نقول : مبني على الضم ) والمرفوع (حركة المُعرَب _إذ نقول : مرفوع وعلامة رفعه الضمة ) ، والمكسور (حركة بناء) والمجرور (حركة المُعرَب ) ، والمفتوح (حركة بناء) والمنصوب(حركة المُعرَب) .
الاختلاس :
ونعني به :
1_ النطق بمعظم الحركة ، ويُقدَّر بثلثيها ، ويتم ذلك بإسراع القارئ حال النطق بالحركة ، فيذهب جزء منها .
2_ ويكون الاختلاس في الحركات الثلاث ( الفتحة ، والضمة ، والكسرة ) عند من وردت عنه القراءة به ، كما في لفظ( يَأمُرَكُم ) عند من اختلس فتحة الراء ، و ( نِعِمَّا ) عند من اختلس كسرة العين ،( تَأمَنُنَا )عند من اختلس ضمة النون الأولى .
3_ يأتي في وسط الكلمة .
4_ يكون حال الوصل .
ملاحظة : أحيانا تُطلق كلمة الرَّوم على الاختلاس .
الاشمام :
هو الإشارة بالشفتين على هيئة من ينطق بالضمة بُعَيْد تسكين الحرف ، فهو إشارة بلا صوت ، ويُمَيَّز بالنظر لا بالسماع ويكون في المرفوع والمضموم فقط ، و يُضبَط بالتَلقِّي والمُشافَهة على يد شيوخ القراءة .
ملاحظة : يُعامل الاشمام معاملة الوقف أي تُعامَل الحروف الموقوف عليها بالإشمام معاملة الوقف بالسكون فمثلاً كلمة ( خَيْرٌ ) نقف عليها مع الإشمام بترقيق الراء .
فائدة الوقف بالرَّوم وبالإشمام : تبيين حركة الحرف الموقوف عليه ، وهي مهارة تدل على تمكُّنٍ من النطق وإجادة له ، كما يوجد وقفات لبعض القراء بالرَّوم أو الإشمام فقط ، مثل وقفات حمزة وهشام ، وأيضا لوجود قراءة كلمة ( تَأمَنَّا )[سورة يوسف :11] بالإختلاس أو الإشمام لجميع القراء عدا أبو جعفر .
ويأتي الإشمام عند علماء القراءات بمعانٍ أخرى غير هذا (*) ، وهي :
1_ خلط صوت الصاد بصوت الزاي : وذلك في ، مثال كلمة( يَصْدِفُونَ ) ، ( الصِّراط ) عند من قرأ به .
2_ خلط الكسرة بالضمة : وذلك في ، مثال كلمة ( قِيْلَ ) ، ( غِيْضَ ) عند من قرأه بالإشمام ، وكيفيته هنا أن يتلفَّظ القارئ بحركة مركبة من جزأين : ضمة وكسرة ، جزء الضمة أولا وهو الأقل ، يليه جزء الكسرة وهو الأكثر .
3_ ضَمُّ الشفتين مقارناً لسكون الحرف المُدغم ، وذلك في لفظ ( تَأمَنَّا ) على أحد الوجهين فيه لمعظم القراء ، وفي إدغام السُّوسي ما كان مرفوعاً على وجه عنده .
ويختلف الإشمام في هذه الحالات الثلاثة عنه في الحالة الاولى ، ففي هذه الثلاثة يكون الإشمام حالة الوصل ، بخلاف الحالة الاولى التي يكون الإشمام فيها وقفاً
(*) مقدمات في علم القراءات .د/ أحمد محمد القضاة ــ د/ أحمد خالد شكري ــ د/ محمد خالد منصور ص 136ــ 137 .
الإدغام (*) :
الإدغام لغةً هو الإدخال ، أو إدخال الشيء في الشيء ، وإصطلاحاً هو اتحاد حرفين متماثلين أو متقاربين أو متجانسين فيُنْطَق بهما حرفا واحداً مشدداً من جنس الحرف الثاني ، وفائدته تخفيف اللّفظ لثقل النطق بحرفين متفقين في المخرج أو متقاربين .
ينقسم الإدغام إلى صغير وكبير
1_ الإدغام الصغير :
هو التقاء حرف ساكن مع اخر متحرك ، فيتَّحِدا ليصيرا حرفا واحدا مشدداً من جنس الحرف الثاني ، فيرتفع اللسان ارتفاعة واحدة إذا نطق بهما القارئ وكأنه حرف واحد ، وهو بوزن حرفين ، وينقسم إلى كامل وناقص .
الإدغام الناقص : هو ذَهاب ذات الحرف وبقاء صفته .
الإدغام الكامل : هو ذَهاب ذات الحرف مع صفته .
أسباب الإدغام ثلاثة: التماثل والتجانس والتقارب
1_ التماثل : هو أن يتحد الحرفان صفةً ومخرجاً ( نفس الحرف يتكرر) .
2_ التجانس : أن يتفق الحرفان مخرجاً ويختلفا صفة أو عكسه .
3_ التقارب : أن يتقارب الحرفان مخرجاً وصفةً .
2_ الإدغام الكبير :
وهو التقاء حرف متحرك بآخر متحرك فيتحدا ليصيرا حرفا واحدا مشددا من جنس الحرف الثاني .
شروط الإدغام الكبير:
1_ أن يلاقي المُدغم المُدغم فيه خطاً ولفظاً أو خطاً فقط ، فدخل مثل ( إنَّهُ(و) هُوَ )( إنَّهُّوَ) ، وخرج مثل ( أنَا نَذِيْرٌ )
2_ أن لا يكون المُدغم فيه الحرف الاخير في الكلمة ، وإن كانا بكلمة واحدة ، فدخل مثل ( خَلَقَكُمْ ) ( خَلَكُّم ) ، وخرج مثل ( خَلَقَكَ ) .
وينقسم الإدغام إلى واجب وجائز وممتنع :
الواجب :
ما اتفق القراء على إدغامه ، مثل إدغام اللَّام في اللَّام مثل ( هَل لَّكُمْ ) ، والنون في الراء مثل ( مِن رَّبِّهِمْ ) .
لجائز :
ما اختلف فيه القراء ، فأدغمه بعضهم وأظهره باقيهم ، مثل ( قَدْ جَاءَكُمْ )( قَجَّاءَكُمُ ) أدغمه هشام وأبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف العاشر وأظهره الباقون ، ومثل ( قِيْلَ لَهُمْ ) أدغمه السُّوسِي وأظهره الباقون .
الممتنع :
ما لم يُدغمه أحد ، لوجود ما يمنع من الإدغام أو لعدم وجود أحد شروطه أو أسبابه .
(*) مقدمات في علم القراءات .د/ أحمد محمد القضاة ــ د/ أحمد خالد شكري ــ د/ محمد خالد منصور ص 129ــ 130 .
المد :
هو إطالة الصوت بحرف من حروف المد و من حرفي اللِّين عن مقداره الطبيعي الذي لا تقوم ذواتهما بدونه ، والمد يحتاج إلى سبب من همز أو سكون ، وقد يكون المد بالإشباع وهو المراد عند إطلاقه بمقدار ست حركات ، وقد يكون بالتوسط ، وهو المد بمقدار أربع حركات .
القصر :
وهو إثبات حروف المد واللِّين ، أو اللِّين فقط من غير زيادة عليها ، وهو الأصل لعدم احتياجه إلى سبب .
وقد يُراد بالمد إثبات حرف المد ، وبالقصر حذفه ، أي تحريكه بحركته فقط ، وهذا في باب هاء الكناية .
وينقسم المد إلى أصلي وفرعي :
المد الأصلي :
هو الذي لا تقوم ذات الحرف إلا به ولا يتوقف على سبب من همز أو سكون ، ويسمى المد الذاتي ، ومد الصيغة ، والقصر لأنه يُقابل المد .
المد الفرعي :
وهو الزائد على المد الأصلي لسبب من همز أو سكون ، أو سبب معنوي .
أنواعه :
1_ المد المتصل .
2_ المد المنفصل .
3_ مد البدل .
4_ المد اللَّازم الحَرْفي .
5_ المد اللَّازم الكَلِمي .
6_ المد العارض للسكون ( لأجل الوقف ) .
7_ المد العارض للإدغام ( لأجل الوصل )(*) هو مد حرف المد أواللِّين إذا جاء بعدهما ساكن للإدغام ، وذلك في قراءة من يُدغم (مثل السُّوسي) ، نحو( قِيْل لَّهُمْ ) ، [ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْف (2) فَّلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذا البَيْتِ (3) ] [ سورة قريش ] ، وحكمه عنده جواز المد والتوسط والقصر .
(*) مقدمات في علم القراءات .د/ أحمد محمد القضاة ــ د/ أحمد خالد شكري ــ د/ محمد خالد منصور ص 132 .
الصلة :
يُراد بها صلة ميم الجمع ، وصلة هاء الكناية .
أ_ صلة ميم الجمع :
ميم الجمع هي ميم زائدة تدل على جمع المذكرين ، وصلتها أن تُضَم وتُلْحَق بواو لفظية حالة الوصل إذا وقعت قبل متحرك مثل ، ( علىقُلوبِهِمُ(و)أَكِنَّة ) .
ب_ صلة هاء الكناية :
هي هاء الضمير المكَنَّى بها عن المفرد المذكر الغائب ، وصلتها أن يلحق بها حرف مد لفظي يناسب حركتها ، إذا وقعت بين متحركين ، فتوصل المضمومة بواو مدية ، مثل ( إنَّهُ(و) كَانَ ) ، وتوصل المكسورة بياء مدية ، مثل ( بِعِبَادِهِ(ي) خَبِيْرَاً ) إلا ما استثنى لبعض القراء ، وتكون الصلة كبرى إن كانت قبل همز مثل ( يَرَهُ(و) أحَدٌ ) ( بِهِ(ي) إلَّا ).
ويلحق بهاء الكناية هاء (هذه ) فتوصل إن وقعت قبل متحرك ، مثل ( هذِهِ(ي) نَاقَةُ اللّهِ ) .
وتكون الصلة كبرى إن كانت قبل همز ، مثل ( هذِهِ(ي) أُمَّتُكُمْ ) .
وتُقصر إذا وقعت قبل ساكن ، مثل ( هذِهِ الشَّجَرَة ) .
الإستفهام المُكَرَّر :
وهو أن تجتمع همزتان في كلمة وبعدها كلمة أخرى ذات همزتين ، أويمكن القول بإنه كل موضع تكرر فيه لفظ الإستفهام على التعاقب في آية واحدة مثل ( أءِذا كُنَّا تُرَابَاً أءِنَّا )[سورة الرعد :5] ، وفي بعض المواضع قد يأتي الإستفهام الثاني في بداية الآية الثانية .
التسهيل لغةً :
هو مطلق التغيير ويشمل جميع أنواع التسهيل وهي أربعة أنواع ( النقل ، الإبدال ، الحذف ، التسهيل بين بين ) لوجود معنى التسهيل فيها ، إلّا أنَّه غلب في عُرف القُرَّاء اطلاقه على النوع الأخير وهو التسهيل بين بين .
التسهيل بين بين :
هو الأصل وهو المراد عند الإطلاق ، وهو النطق بالهمزة بين و بين ، أي إذا كانت مفتوحة فبينها وبين الالف ، وإذا كانت مكسورة فبينها وبين الياء ، وإذا كانت مضمومة فبينها وبين الواو ، ( أي بين الهمزة وبين ما يناسب حركتها ) ، ولا تُقرأ (هاء) لأنها تُصبح إبدال بحرف آخر وليس تسهيل .
الأمثلة : المفتوحة مثل( أَأَنْذرْتهم )،( أألِد )،( أأشْكر ) ، المكسورة مثل( أإنَّا ) ( أإذا ) ، المضمومة مثل( أأُنزل ) ( أؤنبِّئكُم ) .
النقل :
وهوحذف الهمزة و نقل حركتها الى الساكن قبلها ، مثل(القُرْءَان) .
الإبدال :
وهو إقامة حرف مد خالص ، (ألف) أو (واو) أو (ياء) ، مقام الهمزة بدلاً عنها . وهو على قسمين :
القسم الاول : إذا كانت الهمزة ساكنة تُبْدل حرف مد من جنس حركة ما قبلها ، مثل في كلمة ( المُؤمِنُون ) تُقرَأ ( المُومِنُون ) ، مثل في كلمتين ( في السَّمواتِ ائْتُوني ) تُقرأ ( في السَّمواتِ يْتُوني ) .
القسم الثاني : إذا كانت الهمزة متحركة فتُبدل واو أو ياء مُحَقَّقة المخرج ( ليست مدية ) مُتحركة بحركة الهمزة مثل ( يُؤَيِّد ) تُقرأ ( يُوَيِّد ) ، ( لِأُخْرَاهُمْ ) تُقرأ ( لِيُخْرَاهُم ) .
الإسقاط أو الحذف :
هو إزالة الهمزة بحيث لا يبقى لها صورة ولا أثر ، ويكون بحذف إحدى الهمزتين المتلاصقتين مثل( جاءَ أَحَدَكُم ) ، وبحذف الهمزة في ( جَاءَ ) عند الوقف بالمد والتوسط والقصر لهشام وحمزة _ على وجه أن الهمزة أُبدلت ثم حُذِفت_ .
ياءات الإضافة :
هي ياء المتكلم التي
1_ الخلاف فيها بين القراء دائر بين الفتح والإسكان .
2_ تلحق الأسماء مثل ( ضَيْفِي ) والأفعال مثل ( فَطَرَني ) والحروف مثل (وَلِي ) .
3_ ثابتة في رسم المصاحف .
4_ لا تكون إلا زائدة .
5_ علامتها صحة إحلال الكاف والهاء محلها مثل : ضَيْفِي ( ضَيفك ــ ضَيفه ) ، فَطَرَني ( فَطَرَكَ ــ فَطَرَهُ ) ، لِي ( لَك ــ لَهُ ) ، وأما الياء الأصلية فلا يصح إحلال الكاف والهاء محلها مثل ( تهتدي ــ اقْنُتِي ) .
ياءات الزوائد :
عند علماء القراءات هي الياءات المتطرفة الزائدة في التلاوة على رسم المصاحف العثمانية ولكونها زائدة عند من أثبتها سُمِّيت زوائد ، وتتميَّز عن ياءات الإضافة أنها :
1_ الخلاف فيها بين القراء دائر بين الحذف والإثبات .
2_ تكون في الأسماء مثل ( الدَّاعِ ) وفي الأفعال مثل ( يَأتِ ) ، ولا تأتي في الحروف .
3_ محذوفة من رسم المصاحف أو مُشار إليها .
4_ يُمكن أن تكون أصلية أو زائدة ، مثال الياء أصلية (أي من أصل الكلمة ) مثل ( الدَّاعِ أصلها الدَّاعِي ) ، مثال الياء زائدة مثل ( وَعِيدِ ) فكلمة ( وعيدي ) ياءها ياء متكلم وهي زائدة عن بُنية الكلمة .
(**) كتاب الاصول النيرات في القراءات ( الاستاذة أماني بنت محمد عاشور ) ص 63_70 (بتصرف)